حقيقة الوجوب بالذّات. فإن كان من لوازم نفس الحقيقة كان نوعها في شخصه ولم تكن اثنوة. وإن كان لاحقا غريبا افتيق إلى علّة منفصلة عن الحقيقة ، وانخرق فرض الوجوب بالذّات لكلّ من الاثنين المفروضين. ثمّ أيّا ما كان ، يلزم أن يكون الوجوب بالذّات طبيعة مرسلة متشخّصة بنفس [٨٣ ظ] الذّات. وذلك غير مشكوك ، في إحالته ، بما بان لك في ما قد سلف.
تقديس
(٤٦ ـ انتظم برهان التّوحيد نظمه الطبيعىّ)
ومن أسلوب آخر ، أما كان قد تبرهن لك امتناع أن تستند طبيعة ما وحدانيّة بما هي طبيعة واحدة إلى طبيعتين مختلفتين ، وسواء في ذلك التعاقب على التعقّب والتبادل من بدء الأمر والعلّة الجاعلة وسائر العلل. فإنّما العلّة على ذلك التقدير الطباع المشترك ، وليس يصحّ أن يكون مفهوم واحد لازما لكلّ من الحقائق المتكثّرة بخصوصيّتها ، بل إنّما الملزوم هناك بالذّات ما هو القدر المشترك ، وهو أمر واحد.
فإذن لو فرض تعدّد الواجب بالذّات على أن يكون مفهوم وجوب الوجود من العرضيّات اللازمة ـ تعالى الواجب الحقّ عن ذلك علوّا كبيرا ـ كان الملزوم بالذّات لطبيعة وجوب الوجود إنّما هو الطّباع الذّاتىّ المشترك بين الواجبين. فإذن ، يلزم أن يكون الواجب بالذّات قد فاتته البساطة الحقة ، واعتراه أن يكون ذا ماهيّة مرسلة غير متشخّصة بنفس الحقيقة ، جلّ عن ذلك كلّه مجده وعزّه.
وأيضا ، ألسنا قد نبّهناك : أنّ في طبيعة الماهيّة الجوازيّة تقرّرها وفعليّتها بالاستناد إلى الواجب بالذّات ، ومن طباع الوجوب بالذّات إبداعها وتأسيسها بالجعل والإفاضة. وما لا يكون استناد ماهيّة ما إليه مناط تصحّح فعليّة تلك الماهيّة ومستتبع انتزاع الوجود المطلق الفطريّ منها بالفعل ، فإنّه لا يستحقّ اسم الواجب بالذّات ، ولا يستوجب نصيبا من مفهوم المتقرّر بنفسه بحكم الحدس وقضاء البرهان؟
فإذن ، لو اختلف الواجب بالذّات بالعدد ـ تعالى عن ذلك ـ كان استناد [٨٣ ب] كلّ ماهيّة جائزة بعينها إلى كلّ من الواجبين موجب فعليّتها ومصحّح انتزاع الوجود المصدريّ منها وحمل الموجود المشتقّ منه عليها ، إذ لو تخصّص ذلك بأحدهما