هو» ، وعلّته الفاعلة هي علّته الغائيّة ، وأيضا علّة بدئه هي بعينها علّة تمامه ، إذ ليس يتصوّر هناك بدء متقادم وتمام متراخ ؛ فكذلك النظام النظامىّ الجملىّ ، فمهما علم «ما هو» ، وعلم أنّ بدأه هو بعينه تمامه ، ووجوده بعينه كماله ، وفاعله هو بعينه غايته وليس يعقل له خير مرجوّ وكمال مرتقب ، إذ ليس هو حاصل الفعليّة [٨٥ ظ] عن الهيولى القابلة قائم الوجود فيها ، فهو ، لا محالة خير ما يمكن ، وأفضل ما يصحّ وأكمل ما يتصوّر.
فإذن إذا لوحظ الشخص الجملىّ بوحدته الشّخصيّة ، بان أنّ فاعله وغايته بالذّات وبالقصد الأوّل إنّما هو الجاعل الّذي هو مبدأه بذاته من غير وسط وشرط أصلا. وإذا ريم تشريحه والنظر فيه على سنّة المشرّحين ، استبان أنّ أشرف أعضائه النّوريّة العقليّة وأفضلها هو أقرب أجزائه من الجاعل الحقّ في سلسلة البدء ، وأكرم المجعولات وأقدمها بحسب الترتيب من تلقاء جوده ، ثمّ يتلوه في المجعوليّة ما يتلوه بالرتبة ، وهكذا إلى أن يبلغ الأمر أقصى الوجود.
فإذن ما أسهل ما يتأتّى لك بالاصول المعطاة أن ترى من قطعيّاتك أنّ تعدّد الواجب بالذّات مبدأ استيجاب طباع مشترك يستند إليه شخص هذا النظام الجملىّ المتّسق ، فيلزم أن تكون العلّة الجاعلة للهويّة الواحدة بالشخص طبيعة مرسلة ، وذلك أمر غير سائغ ، فيفسد النظام الشخصىّ المتّسق. فإذن ، قد انصرح كنه الأمر وبزغ نور الحقّ وذاع سرّ ما قد قيل : «أبى النظام شمسين ، فكيف لا يأبى إلهين». فربّما يقال من باب ضرب الأمثال : «نور الأنوار شمس عالم العقل» وإن كان لا نسبة بالحقيقة بين النّسبتين أصلا.
ولعلّ هذا الأسلوب أدقّ الأساليب وأحقّها في قول الله العظيم في القرآن الحكيم : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (الأنبياء ، ٢٢). فمعاد ضمير التثنية جملة عوالم السّماويّات من العقول والنفوس والأجرام ، وعوالم الأسطقسّيات [٨٥ ب] من الأجسام والطّبائع والقوى والنفوس. وأمّا مسألة التمانع وما يجري مجراها ، فإنّما تورد على سبيل قشور الأقوال لإرشاد الغاغة من العوامّ ، لا على سياق لبّ الأسرار والحقائق المقشوّة لإدراك الراسخين في العلم من الخاصّة.
تقديس
(٤٩ ـ القيّوم الواجب هو الوجود الصرف الحقّ)