أليس لا ميز في صرف شيء ، فصرف الوجود الّذي لا أتمّ منه ، وهو تامّ المجد والبهاء ، وفوق التمام بما لا يتناهى من القوّة والشدّة ، كلّ ما فرضته على أنّه ثان له ، فإذا حدّقت النظر فيه لم تجده إلّا نفس الأوّل ، فكان هو بعينه.
فالقيّوم الواجب بالذّات ، إذ تقدّس عن ماهيّة وراء الوجود ، فهو النّور الحقّ المحض والوجود الصّرف البحت ، الّذي لا يشوبه شيء ، من خصوص وعموم وتحيّث وإرسال أصلا ، وهو كلّ الوجود وكلّه الوجود ، وكلّ البهاء والكمال ، وكلّه البهاء والكمال ، وما سواه على الإطلاق لمعات نوره ورشحات جوده وظلال ذاته. وإذ كلّ هويّة من نور هويّته ، فهو الحق المطلق ، ولا هو على الإطلاق إلّا هو ، وأنّ تعدّده محال بالذّات ، لا في الأعيان فقط ، بل وفي التّصوّر أيضا.
فإذن ، كلّ ذى ماهيّة مجعول ، والجاعل لا ماهيّة له ، وهو الأول الحقّ. والثوانى وهي قاطبة ما سواه لها ماهيّات هي بأنفسها أفراد مفهوم ما بالقوّة ، وفي حيّز ذواتها بما هي هي جائزة التّقرّر والوجود ، وليس تعرض لها الفعليّة إلّا من تلقائه. فذوات الماهيّات منه تفيض ماهيّاتها ووجوداتها على الاستغراق الحاصر الشّمولىّ ، وهو مجرّد الوجود المحض بشرط سلب العدم [٨٦ ظ] عنه من كلّ جهة ، وكذلك سائر الزّوائد.
ولسنا نعنى بهذا : أنّه الموجود المرسل المشترك فيه ، فذلك ليس الموجود المطلق المجرّد بشرط السلب ، بل الموجود لا بشرط الإيجاب ؛ ولكنّا نعنى في الأوّل الحقّ أنّه الموجود مع شرط لا زيادة تألّف وتحيّث. والمرسل هو الموجود لا بشرط الزيادة ، فلذلك ما أنّ المرسل يحمل على كلّ شيء ، وهذا لا يحمل على ما هناك زيادة ، وكلّ شيء غيره فهناك زيادة.
تقديس
(٥٠ ـ كافّة الماهيّات ترتبط بواحد حق قيّوم)
إن اجتهدت في استتقان القوانين الملقاة إليك ، لم تر عضيلا على الحادس الشديد الحدس أن يحدس ، من اشتراك كافّة الماهيّات والهويّات الجوازيّة ، في معنى الوجود المرسل الفطريّ المنتزع منها بحسب التّقرّر في الأعيان ، ارتباطها وتعلّقها طرّا بواحد حقّ قيّوم بذاته هو حقيقة الوجود ومبدأ انتزاع الموجوديّة.