في جنبة الفاعل الحقّ (١) بل إنّما التّجدّد والتّسابق والتّعاقب في جنبة المعلولات ، والمتجدّد هو نفس المعلول ، لا حال أو شأن لصانعه القديم الأوّل ، سبحانه ، وعلى جملة ذلك إجماع الفلاسفة. (٢) فهل أنت ذو سرّ نقىّ وقريحة مستضيئة ، فتستشعر أنّ هذا الأصل الكريم إنّما يستقرّ لو كانت المعلولات بشعبها وشعوبها متضاهية في الحدوث الدّهريّ فيكون فاعلها الحقّ قد فعلها في الدّهر مرّة واحدة دهريّة. أما مبدعاتها فلا في زمان ، بوجه ما أصلا ، وأما كائناتها فكلا في وقته. والإفاضة على هذا المرصاد باقية لا تدثر ولا تبيد أبدا. وأما المعلولات المفاضة ، فمنها زمانيّات داثرة في أفق التّقضّي والتّجدّد ، لا في الوعاء الّذي هو الدّهر ، بل هناك يتخصّص الوجود كلّ منها بوقت بعينه لا يتعدّاه ؛ ومنها مفارقات غير زمانيّة ولا داثرة.
__________________
ـ لسنا نعنيه. والثّاني إفاضة الجاعل المجعول واقتضاؤه وإبداعه إيّاه ، وهو بهذا المعنى متقدّم على ذات المجعول ثمّ على الإضافة العارضة لهما ، وإنّما نظرنا فيه. وكذلك الصدور قد يطلق على المعنى الإضافىّ العارض للعلّة والمعلول من حيث يكونان معا ، وقد يطلق على كون العلّة بحيث يصدر عنها المعلول وهو متقدّم على المعلول ثمّ على الإضافة العارضة لهما (منه دام ظلّه).
(١) قوله : «ولا تجدّد وتعاقب في جنبة الفاعل الحقّ» ولا في صفاته الإضافيّة المقرّرة في ذاته تعالى أصلا عند زمرة المحصلين من الحكماء وفاقا. وتحقيق ذلك أنّ الإضافات الّتي تعرض الشّيء : منها ما تبدّلها وتعاقبها ليس يستلزم تغيّرا في ذلك الشّيء وتعاقبا في صفاته المتقرّرة فيه ، إذ ليس يجب أنّ يكون بإزائها مباد تتقرّر في الشّيء من قبل ذلك الشّيء وهذه من الإضافات المحضة ، وتبدّلها وتعاقبها يرجع بالحقيقة إلى تبدّل أمور مباينة لذلك الشّيء منفصلة عنه وعمّا يتقرّر فيه وتعاقبها أنفسها لا غير كما إذا انتقل ما على يمينك إلى يسارك وأنت على ثباتك على وضعك الأوّل. ومنها ما تبدّلها وتعاقبها فى ما يستلزم تغيّرا ما في ذلك الشّيء وتعاقبا في ما يتقرّر فيه البتّة ، إذ بإزائها مباد تتقرّر فيه لا محالة ، وهذه إضافات مترتّبة على صفات متبعة لها غير منسلخة عن لزوم اقترانها البتّة ، كما إذا تبدّل معلومك أو معلولك وتعاقب معلوماك أو معلولاك ، فإنّ ذلك ليس يتصوّر إلّا بتبدّل علم أو تأثير وتعاقب علمىّ أو تأثير من قبل ذاتك بالنسبة إليه وبالقياس إليها بتّة.
ومن يجوّز تبدّل الاضافات وتسابقها وتعاقبها بالقياس إلى الأوّل الحق ، سبحانه ، إنّما يروم القسم الأوّل لا الأخير قطعا ، وإلّا لزم تغيّر ما في ذاته وتسابق وتعاقب في صفاته الثّبوتية المتقرّرة فيه ، جلّ عن ذلك وتعالى عنه علوّا كبيرا. وإنّما مرجع التجدّد والتّعاقب والتدريج في نفس الأشياء المباينة المنفصلة. فإذن لا تجدّد ولا تعاقب ولا تدريج إلّا في جنبه المعلولات وصفاتها ، والمتجدّد والمتبدّل والمتسابق والمتعاقب ، والحاصل على التدريج من المعلومات هي بحسب أنفسها ، لا بقياس بارئها إليها ، أو بقياسها إلى بارئها. فتبصّر وكن من المهتدين ، (منه دام ظله).
(٢) ورأس المشائيّة قد توغّل هناك في الفحص ، ورؤساء مشائية الإسلام بسطوا القول فيه في وجائز زبرهم ، فضلا عن مبسوطات كتبهم ، ونحن في مترقب البيان سنفصله إن شاء الله تفصيلا (منه دام ظلّه).