الإطلاق من كلّ جهة ، غير متخلّل فيها قد وقد ، وحيث وحيث ، فإنّ الّذي يكون كمالا من جهة ونقصانا من جهة يوجب ، لا محالة ، تجسّما أو تكثّرا بالفعل أو تركّبا في لحاظ العقل أو يحلّله تحليلا في الذهن إلى شيء وشيء ، وقد تعالى القيّوم بالذّات عن ذلك كلّه علوّا كبيرا.
تقديس
(٥٨ ـ القيّوم الحقّ هو علم محض لا كثرة فيه من جهة العلم)
لا يتوهمنّ أنّ عالميّته ومعلوميّته ممّا تكثر الحيثيّة والاعتبار فيه ، فليس نفس كون المفارق عاقلا ومعقولا يوجب اثنينيّة في الذّات ولا فى الاعتبار أيضا. بل الذّات واحدة والاعتبار أيضا واحد ، إذ ليس تحصيل الأمرين إلّا اعتبار أنّ هويّة مجرّدة لذاتها ، وهو المعقولية ، وأنّ هويّة مجرّدة ذاتها [لها] ، وهو العاقليّة ، فههنا تقديم وتأخير في الترتيب ، والغرض المحصّل شيء واحد بلا كثرة ولا قسمة أصلا. فالأشياء لا تعقل إلّا بالقوّة العاقلة ، والقوّة العاقلة إنّما تعقل بنفسها ، كما كلّ شيء غير الوجود يكون موجودا بالوجود ، والوجود موجود بنفسه ، لا بوجود آخر وراءه ، وكلّ شيء يكون مضافا بإضافة ، والإضافة هي المضاف بذاته ، لا بإضافة أخرى.
والزمانيّات تتقدّم وتتأخّر بالزمان ، والزمان بنفسه لا بزمان آخر. والأشياء تظهر بين يدى الحسّ بالنور ، والنّور بنفسه لا بنور آخر. والمادّيّات تختلف بالمادّة ، والمادّة بنفسها لا بمادّة أخرى. والمعلومات العينيّة تعلم بالصورة العلميّة ، والصّورة العلميّة بنفسها لا بصورة علميّة أخرى [٩٣ ظ].
وبالجملة ، العاقل هو الموجود المفارق ، بما أنّ هويّة الشّيء أعمّ من أن يكون الشّيء هو أو آخر غيره. والمعقول هو الشّيء بما أنّ هويّته لموجود مفارق ، سواء كان هو أو آخر غيره ، فما من الموجود المفارق بإزاء العاقليّة هو ما منه بإزاء المعقوليّة ، لكنّك إذا ما قايست بينه وبين عاقلات لمعلولات هي غيرها وجدته بهويّته مستحقّا لاسمى العاقل والمعقول لما له بنفسه ما للذوات العاقلة وما للحقائق المعقولة ، لا على أنّ أحد الاعتبارين في ذاته تغاير الاعتبار الآخر. فهو بما هو هويّة موجودة لذاتها لا لمادّة عقل ، وبما يعتبر له أنّ ذاته المجرّدة لها هويّته عاقل ، وبما يعتبر له أنّ هويّته