لذاته المجرّدة معقول.
فإذن ، إنّما العاقليّة والمعقوليّة توجب تكثير الحيثيّة في المفارق الجائز الذّات من حيث التغاير بين ماهيّته ووجوده وكون العاقليّة والمعقوليّة عين الوجود المجرّد ، لا من حيث إنّهما اعتباران متغايران البتّة ، فإنّ اعتبار العاقليّة ليس يستوجب أن يغاير اعتبار المعقوليّة ولا العكس. فالقيّوم الواجب بالذّات ، إذ هو نور مقدّس ووجود متمحّض ، فهو علم محض ، فلا كثرة فيه من جهة العلم أصلا ، لا بحسب العالميّة والمعلوميّة ، ولا بحسب الوجود والماهيّة.
تشريق
(٥٩ ـ العلم بالعلّة يوجب العلم بماهيّة المعلول وإنيته)
أمّا قبلك من البتيّات : أنّ كلّ ما عقل سببه التامّ بما هو سببه التامّ ـ لست أقول بلحاظ حيثيّة السّببيّة المضايفة للمسببيّة ، بل أقول الحيثيّة الّتي هو بها سبب تامّ ، عقلا تامّا ـ فلا محالة قد عقل هو أيضا [٩٣ ب] عقلا تامّا. والعلم التامّ اليقينيّ بذوات الأسباب إنّما حصوله من حيثيّته العلم بأسبابها. وأتمّ العلوم بذى السبب هو العلم به من تلقاء العلم بأسبابه المتأدّية إليه من الحيثيّة الّتي بنفسها يترتّب عليها التأدية.
فكلّ من لا يعزب عنه الجاعل التامّ لمجعول ما بما هو جاعل تامّ موجب له بنفسه ، أى : يكتنهه ويعقله من كنه الحيثيّة الّتي هي بنفسها بحيث ينشأ منها المجعول ، فكذلك لا يعزب عنه إنّيّة ذلك المجعول ولا ماهيّته ، بل إنّه يكتنهه ويعقله بعينه عقلا تامّا ، فإنّ المجعول بأنّه وبماهيته من لوازم الجاعل الموجب التامّ بأنّه.
فإذن فاحكم أنّ كون الشّيء مدركا بعلّته أفضل من كونه مدركا بمعلوله ، لأنّ العلم التامّ بالعلّة التامّة يوجب العلم التامّ بمعلولها ، وليس العلم التامّ بالمعلول يستوجب علما تامّا بعلّته. إذ العلّة ، بما هي تامّة ، موجبة معلولها المعيّن من حيث هو هو بعينه والمعلول بما هو معلول إنّما يقتضي علّة واحدة لتقرّره ، أيّة علّة كانت ، لا أمرا متعيّنا بعينه لا غير ، فمعلول الشّيء ليس يجب أن يكون معلول نفسه ، بخلاف علّته ؛ ولأنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بماهيّة المعلول وإنيّته ، والعلم بالمعلول ليس يقتضي إلّا العلم بإنيّة العلّة دون ماهيتها ، فلذلك كان أفضل البراهين وأوثقها وأحقّها باسم