فهو ، جلّ اسمه ، بنفسه جاعله التامّ وموجبه الكامل وغايته المطلقة. وآحاد المجعولات الّتي هي أجزاء النظام الشخصىّ بأسرها سواسية بحسب هذا اللحاظ في الافتياق إلى مبدئيّته الحقّة والاستناد إلى جاعليّته المطلقة ، وهو افتياق عرضىّ. والنظام الجملىّ بحسبه سلسلة عرضيّة ، إنّما الجاعل الحقّ فاعلها وغايتها ، مرّة واحدة. فكلّ تقرّر [٩٤ ب] وكلّ كمال تقرّر ، وكلّ وجود وكلّ كمال وجود ، صنع فضله واصطناع رحمته ، على الإطلاق الشّمولىّ والاستغراق الإحاطىّ على سنة واحدة. ثمّ إذا التفت لفت الآحاد متفاصلة متباينة بما هي هي ، لا بما يتأحّد منها نظام متّسق ، صودف أكرمها في سلسلة البدو أقرب من الجاعل الحقّ.
ثمّ الأمر متدرّجا في التنازل على الترتيب السّببيّ والمسبّبىّ إلى أقصى الوجود ، وذاك استناد طولىّ ، والنظام بحسبه سلسلة طوليّة. وعضة من الآحاد كسلسلة الحوادث الكيانيّة متوقفة في هذا الالتفات على عضة ، كالإبداعيّات. وهي قاطبة ترتقى على الترتيب الصاعد ارتقاء منتهيا الى الجاعل التامّ المطلق. ولها أيضا في التصاعد الطّولىّ غايات أوليّة قربية مرتقية إلى الغاية الأخيرة الّتي هي غاية الغايات ، أعني نفس ذات الحقّ الأوّل.
فإذن ، عالم الجواز بأسره قطران : طولىّ وعرضىّ ، وهما منتهيان إلى المحيط الّذي هو الجاعل التامّ من حيث نفس ذاته. وقد دريت أنّه يعلم ذاته أتمّ العلوم وأقدسها. فهو ، لا محالة ، يعلم أيضا ما بعد ذاته ، وهو سائر الأشياء من حيث وجوبها عن نفس ذاته في سلسلة الترتيب النازل طولا وعرضا ، علما تامّا وفوق التمام تقدّسا وتمجّدا.
تقديس
(٦٢ ـ عقل الشّيء لذاته وجوده لذاته وعقله لغيره وجود الغير عنده)
أليس المجعول بما هو مجعول من نعوت جاعله التامّ وشئونه؟ فمن غريزيّات الفطرة العقلانيّة : أنّ حصول الشّيء لفاعله ليس في كونه حصولا لغيره دون حصول الشّيء لقابله. فإذن ، تقرّر المجعول بما هو مجعول في نفسه هو بعينه تقرّره الرابطىّ لجاعله. والمجعولات بما هي مجعولات حقائق رابطيّة وذوات ناعتيّة لجاعلها ، وإن كانت غير رابطيّة في محلّ أو موضوع ، [٩٥ ظ] لكونها جواهر قائمة في الوجود