بذواتها ، لا في موضوعات.
وقد تعرّفت : أنّ وجود الشّيء للذّات المجرّدة مطلقا هو بعينه معقوليّته لها. فكما وجود المجرّد لذاته هو بعينه عقله ومعقوليّته لذاته ، ووجود الصّورة في الجوهر العاقل هو بعينه معقوليّتها له ، فكذلك تقرّر الجائزات ووجودها في ذواتها بما هو تقرّرها ووجودها لجاعلها القدّوس هو بعينه معقوليّتها له وحضور هويّاتها لديه وشهوده إيّاها بأعيانها. فعقل الشّيء لذاته هو وجوده في ذاته ، وعقله لغيره هو وجود هويّة الغير له وعنده.
بسط
(٦٣ ـ المعلومات متضاعفة الفاقة الى الجاعل العالم بها)
ومن سبيل آخر ، لست أظنّك من الممارين أو الممترين في أنّ القدّوس الحقّ ليس يحتجب عن علمه التامّ شيء من جهات ذاته ، بل إنه يعلم ذاته من جميع جهاته ولوازمه علما تامّا. ومن جهات ذاته : أنّه فاطر مفطوراته. فلا محالة ، علمه التامّ بذاته من جميع جهاته ولوازمه يتضمّن العلم بقاطبة مجعولاته ومفطوراته : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك ، ١٤). وبالجملة ، العاقل كما ليس تعوزه في إدراك ذاته صورة غير صورة ذاته الّتي بها هو هو ، فليس أيضا يعوره [في] إدراك ما يصدر عن ذاته لذاته صورة غير صورة ذلك الصادر الّتي بها هو هو.
واعتبر من نفسك أنّك تعقل شيئا بصورة تتصوّرها أو تستحضرها ، فهى صادرة عنك لا بانفرادك مطلقا ، بل بمشاركة ما من غيرك ، بل إنك بالقياس إليها تسير مسير الشّروط والمصحّحات ، وتجرى مجرى القوابل والماهيّات ، والمفيض الواهب هو الفاطر الحقّ.
ومع ذلك ، فأنت لست تعقل تلك الصّور بغيرها ، بل كما تعقل ذلك الشّيء بها ، كذلك تعقلها [٩٥ ب] أيضا بنفسها ، من غير أن تتضاعف الصّور فيك ، فتمادى إلى لا نهاية ؛ بل ربّما تتضاعف اعتباراتك المتعلقة بذاتك وبتلك الصّورة ، فحسب ، على سبيل التركّب. وإذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة غيرك ، بل عن غيرك بتهييئ وتهيّؤ منك على هذه الشّاكلة ، فما ظنّك بشأن العاقل مع ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة غيره فيه.