تقدّسا ، وأقدس ما يعقل تعاليا وتمجّدا ، وله إضافة الجاعليّة إلى ما سوى ذاته طرّا ، وسلطانها على الكلّ لا يحدّ ولا يقاس ، فأعداد الوجود وذرّاته سواسية الهويّات في الحضور لديه والمثول [٩٧ ظ] بين يديه بذواتها وأعيانها ، وهو بكلّ شيء محيط ، ([أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ]) (فصّلت ، ٥٤).
تقديس
(٦٥ ـ ذات الجاعل العالم محيط بكل المعلومات)
لا يستحلّنّ أن يقال : إنه ، سبحانه ، يعقل الأشياء من الأشياء ، وإنّ للأشياء صورا متقرّرة في ذاته ، تعالى عن ذلك مجده. وإلّا فإمّا ذاته متقوّمة بما يعقل فيكون تقوّمه بالأشياء ، وإمّا يعرضه بعد مرتبة الذّات أن يعقل فلا يكون واجب الذّات من كلّ جهة بذاته ، ويكون لو لا امور من خارج لم يكن هو بحال هو كمال له ، ويكون له تجمّل بحال لا يلزم عن ذاته بل عن غيره ، فيكون لغيره فيه تأثير ، ويكون الجاعل الواجب محلّا لمجعولاته الجائزة ، وتكون المتكثّرات منطبعة في الأحد الحقّ ، ويكون تقرّر الصّور في ذاته غير مسبوق بعقله إيّاها مسبوقيّة بالذّات ، فيكون نفس الذّات مبدأ اقتضائها لا عن علم ، كالطّبائع العديمة الإدراك في مرتبة الذّات للوازمها ، ويكون الأشياء بهويّاتها العينيّة غير معلومة له بالحقيقة ، بل إنّما بالعرض ، إذ تلك شاكلة العلوم الانطباعيّة. والأصول المسلفة تبطل هذه التوالى وما شاكلها.
فإذن ، إنّما عقله للأشياء من ذاته ، فيعلم من ذاته ما هو مبدأ له ، وهو مبدأ للموجودات التامّة بأعيانها ، وللموجودات الكائنة الفاسدة بطبائع أنواعها أوّلا ، ثمّ بهويّات أشخاصها. فكلّ ما عقله خيرا فقد جعله ، والأشياء عقلت من ذاته ، فجعلت من تلقائه.
ثمّ وجودها في الأعيان هو بعينه عقله إيّاها ، ومعقوليّتها له صدورها عنه منكشفة غير محجوبة ، وليس [أنّ] له الإضافة العقليّة [إليها] من حيث وجودها في الأعيان [فيلزم أن لا يعقل المعدوم منها إلى أن يتقرّر في الأعيان] ، فيكون لا يعقل من نفسه أنّه مبدأ [٩٧ ب] ذلك الشّيء على التّرتيب إلّا عند فعليّته ، فلا يعقل ذاته ، لأنّ ما من شأن ذاته بذاته أن يفيض عنه كلّ تقرّر وكلّ وجود ، وإدراك الذّات ، من حيث من شأنها أن يصدر عنها كذا ، موجب إدراك كذا ، بل متضمّنه بتّة وإن لم يوجد كذا بالفعل.