فإذن يجب أن يكون العالم الرّبوبىّ محيطا بالوجود الحاصل بالفعل والممكن الفعليّة من حيث الإحاطة بأسبابه المنتهية إلى الانسياق إليه في الترتيب الواجب من تلقاء الفياضيّة المطلقة الربوبيّة فيكون لذاته الحقّة إضافة العاقليّة إلى الأشياء طرّا من حيث هي معقولة من تلك الجهة المساقة إلى وجودها في الأعيان ، لا من حيث لها وجود في الأعيان تتبعه المعقوليّة.
فعلمه المحيط بالأشياء الموجودة قبل وجودها ومع وجودها على نمط واحد. وليس يسوغ أن يكون معقوليّتها له قبل تقرّرها في الأعيان ، إنّما تصحّحها وفعليّتها من حيث هي صور موجودة في عقل أو نفس. فإذا عقل الفياض الحقّ تلك الصور ارتسمت في أيّهما كان ، فيكون ذلك العقل أو النفس كالموضوع لتلك الصّور المعقولة ، وهي معقولته على أنّها فيه ، ومعقولة الفيّاض الحقّ على أنّها عنه ، وهو يعقل من ذاته أنّه مبدأ لها.
أليس يكون إذ ذاك من المجعولات ما المعقول منه أنّ الجاعل الحقّ مبدأ له بلا واسطة صورة علميّة سابقة ، بل يفيض تقرّره ووجوده عنه أوّلا من غير العلم به قبل الإفاضة قبليّة بالذّات ، وهو ذلك العقل أو النفس. وما المعقول منه أنّه مبدأ له بتوسّط صورة سابقة ، فهو يفيض عنه ثانيا ، وهو ما بعد المجعول الأوّل. والصّور المرتسمة في المجعول الأوّل [٩٨ ظ] تدخل أيضا في جملة ما الجاعل الحقّ يعقل ذاته مبدأ له وليست هي مسبوقة بصور أخرى قبلها ، فيلزم أن لا يكون صدور تلك الصّور ومحلّها عن الجاعل الحقّ على سبيل أنّها عقلت فجعلت.
وقد كنت تحقّقت أنّ سنّة إفاضته ، تعالى ، لأيّ شيء كان ، أنّه إذا عقله خيرا جعله وأفاضه. وكذلك من هذا السّبيل ليس يجوز أن يكون عقله للاشياء من حيث يكون لها وجود مفارق لذاته ، تعالى ، ولسائر الذوات كصور مفارقة على ترتيبات موضوعة في صقع الربوبيّة ، وهي الصّور الأفلاطونيّة على أنّ تلك الصّور إن صحّت تكون من الجائزات.
وقد برهنّا في صحفنا : على أنّ الجائزات بأسرها حوادث دهريّة ، وأنّ طباع الجواز يأبى الأزليّة السّرمديّة. وأفلاطون والأفلاطونيّون إخواننا الذّاهبون في الإيمان بهذه المسألة ، ومن المنصرح أنّ علم الجاعل الحقّ واجب الأزليّة غير سائغ