الانفصال عن السّرمديّة. فإذن ، وجب أن يكون الفيّاض الحقّ يعلم من ذاته قاطبة الأشياء على ما عليه نظام الوجود ونضده ، فإنّه يعقل ذاته ويعقل أنّ ذاته مبدأ كلّ طبيعة وكلّ هويّة، فيعقل من ذاته كلّ شيء طبيعة مرسلة كانت أو هويّة شخصيّة.
فذاته ، تعالى ، علم بسيط شيء ، فهو لذلك يعقل الأشياء دفعة واحدة من غير أن يتكثّر ذاته بها أو يتقرّر في ذاته صورها ، فالعالم الرّبوبىّ عظيم جدّا ، وهو بعين ذاته الأحد الحقّ كالصّورة العلميّة لجملة الأشياء ، وهو العلم بالأشياء قبل الجعل والإفاضة ، ثمّ هي تفيض عنه معقولة [٩٨ ب] غير محجوبة ، وصدورها عنه منكشفة حدوثا وبقاء هو نفس معلوميّتها له أخيرا عند التّقرّر ، فالجعل والإيجاد تفصيل العلم المتقدّم.
وبالجملة ، القيّوم الواجب مبدأ كلّ فيض ، وهو ظاهر بذاته. فهو بما هو ظاهر لذاته ينال الكلّ من ذاته ، فله الكلّ من حيث لا كثرة فيه. فعلمه بذاته وبالكلّ نفس ذاته ، ثمّ علمه بالكلّ أى : معلوميّة الكلّ له ، عين الكلّ. وبعد ذاته فيكثر علمه بالكلّ ، أى : معلوميّة الكلّ لدى التّقرّر بعد ذاته ويتّحد الكلّ بالنّسبة إلى ذاته ، فكأنّه هو الكلّ في وحدة ، وهو أولى بأن يكون علما بالكلّ من تلك التفاصيل الفائضة عن ذاته وعن علميّته.
تشريق
(٦٦ ـ علوم العقول من فيوض علم الحقّ سبحانه)
ألم تتحصّل ، في كتاب النفس ، من علم الطبيعة ، أنّ الإدراكات النفسيّة الانفعاليّة والفعليّة بأنواعها الأربعة ، من الإحساسات والتخيّلات والتّوهّمات والتعقّلات النفسانيّة المتبدّدة المبادى والمناسب ، إمّا رسم وروسم عن شاهد حسّيّ ، أو رشم وروشم عن طابع عقلىّ. وهي على لونين : إجماليّات وحدانيّة بصورة بسيطة واختزاليّات تفصيليّة بصور كثرانيّة. فالعقل البسيط في المرتبة الّتي هي العقل بالفعل مبدأ التفاصيل الفكريّة المتقرّرة في النفس ، لامعا ، دفعة ، بل على الترتيب والتدريج.
ومن ذلك : ما إذا نوظرت في مسألة ، فهجس في نفسك علمها دفعة ، بصورة وحدانيّة بسيطة ، هي بعينها فاعلة التفاصيل المتصوّرة في ترتيب الأجوبة ، فتلك المرتبة البسيطة هو علم بالفعل وصنيع الفعاليّة للمراتب الأخيرة المتتالية ، الّتي هي العلوم التفصيليّة ، كما قوّة القدرة على تحريك مرتبة وزينة بعينها من ثقيل [٩٩ ظ]