أما تعرّفت ممّا عرّفناك : أنّ كلّ وجود زمانيّ فإنّه دهرىّ بلحاظ آخر ، ولا عكس. فالشّيء الزّمانيّ : إن اعتبر بطبيعته المرسلة كان من المجرّدات والدّهريّات ، ولم يصحّ أنّ يعدّ ممّا هو متأيّن أو متمت أصلا. وإن اعتبر بهويّته الشّخصيّة المتزمّنة. فإن لوحظت بما هي متقرّرة في وعاء الوجود الّذي هو الدّهر ، مع عزل اللّحظ عن وقوعها في افق التّقضّي والتجدّد وفي جزء أو حدّ منه بخصوصه ، كانت موجودة دهريّة وإن كان وجودها في الدّهر بوجودها في الزّمان وفي ذلك الجزء أو الحدّ منه بعينه. وإن لوحظت بما هي متخصّصة التّقرّر بافق التّغيّر وبشيء من أجزائه وحدوده ، كانت موجودة زمانيّة ، كما أنّ وجود الشّيء في نفس الأمر هو وجوده لا بتعمّل العقل مع عزل النظر عن خصوصيّة اللّحاظ لا بحسب الخصوصيّة فإنّها ملغاة في ذلك. (١) وأيضا الصّورة العلميّة الارتساميّة هي بعينها المعلوم بالذّات (٢) والعلم بحسب ذينك الاعتبارين.
فإن استغرب أنّ الزّمانيّ كيف يصير دهريّا؟ قيل : هذا كما انّ الشّيء المادّىّ بحسب شخصيّته هيولانىّ يناله الحسّ دون العقل ووجوده طبيعيّ ومع الكثرة ، وبحسب طبيعته المرسلة مجرّد معقول ليس للحسّ أن يناله ووجوده إلهيّ وقبل الكثرة. فالطبيعة هي عين الفرد في الوجود وفي اللحاظات إلّا في لحاظ التعيّن والإبهام ، وهناك أيضا بأحد اللّحظين فيه ، وهي من المجرّدات المعقولة ، وهو من ذوات الأوضاع
__________________
(١) قوله : «فإنّها ملغاة في ذلك». وهذا الحكم مطّرد في سائر الافراد بالنسبة إلى الطبائع المرسلة ، فإنّ خصوصيّة الفرد بمعزل عمّا بحسبه سنخ الفرديّة ، وإنّما هي مناط خصوص الفردية لا غير (منه دام ظله العالى).
(٢) قوله : «هي بعينها المعلوم بالذّات. الخ» وأما عينيتها بالنسبة إلى المعلوم بالعرض ، وهو الأمر الخارجىّ فبمعنى الاتحاد بالماهيّة لا غير. وتفصيل ذلك أنهم يقولون : العلم والمعلوم متحدان بالذّات. فإن عنوا بالمعلوم ، الشّيء الخارجىّ ، وهو المعلوم بالعرض ، أرادوا بالاتحاد بالذّات مجرد الاتحاد بالماهيّة دون الهويّة الشخصية بناء على انحفاظ جوهر الماهيّة وجوهرياتها في أنحاء الوجود دون التشخصات المتبدلة بحسبها فالصورة الذّهنيّة غير الذّات الخارجية بالوجود والتشخّص. وإن عنوا بالمعلوم الصّورة العلمية الارتسامية ، وهي المعلوم بالذّات ، أرادوا كون تلك الهويّة الشخصية بعينها هي المعلوم من حيث إنّها حقيقيّة متقرّرة في نفسها مع عزل النظر عن خصوص لحاظ الذّهن والعلم بمعنى الصّورة العلمية من حيث خصوص الارتسام الذهنى وبحسب حصول في ذلك اللحاظ بخصوصه ، وكذلك الشأن في العلم الحضورى فالذات العينيّة بخصوص هويتها الشخصية الخارجية هي المعلوم بالذّات والعلم بمعنى الصّورة العلمية الحضورية هي باعتبارين سينكشفان في سقاية صفات الربوبية إن شاء الله تعالى (منه دام ظله).