يزعمون ذلك ـ فإنّما حسبانه هذا وتقوّله عليهم من الجهل المضاعف.
وصراح قول رؤسائهم : «أنّ الفاسدات إن عقلت بالماهيّة المجرّدة وبما يتبعها ممّا لا يتشخّص ، لم تعقل بما هي فاسدة». وهو فاسد ، إذ [هي] مجعولة بما هي فاسدة ، وجاعلها الحقّ قد رتّب الأسباب ، أواخرها فانتهت إلى الجزئيّات الشّخصيّة على سبيل الايجاب والتّرتيب الّذي عنده شخصا فشخصا بغير نهاية. فكلّ كلىّ وجزئيّ مرسل وشخصىّ ظاهر عن ظاهريّته الأولى ، وإن أدركت بما هي مقارنة لمادّة وعوارض مادّة ووقت وتشخيص إدراكا زمانيّا متغيّرا لم تكن معقولة بل محسوسة [أو متخيّلة].
ونحن قد بيّنّا في كتب أخرى أنّ كلّ صورة محسوسة وكلّ صورة خياليّة ، فإنّما تدرك بما هي محسوسة أو متخيّلة إدراكا حسيّا أو تخيّليّا بآلة متجرّئة. وكما أنّ إثبات كثير من الأفاعيل للقيّوم الواجب بالذّات نقص له ، فكذلك إثبات كثير من التعقّلات.
فالقيّوم بالذّات إنّما يعقل كلّ شيء على نحو كلّىّ ، أى : عقلا تامّا غير زمانىّ لا يعتريه التغيّر ، ومع ذلك فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في السّماوات ولا في الأرض. وهذا من العجائب الّتي يحوج تصوّرها إلى لطف قريحة. فأمّا كيفيّة ذلك ، فتحقيقها على ذمّة بيان وفيّ من قبلنا يضمن ثلوج النفس لكلّ ذى تأمّل غائر وتعقّب واسع.
تشريق
(٧٠ ـ العلّة الأولى للتكثر هي الموجود القارّ القابل للوضع)
من المستبين : أنّ الكثرة المتّفقة الحقيقة ، إمّا هى بآحاد غير قارّة التّقرّر أو بآحاد قارّة. والأولى : لا يمكن [١٠١ ب] حصولها إلّا منسوبة الوجود إلى الزمان بالفيئيّة أو بالمعيّة المنتهية إليها ، فتكون هي ، لا محالة ، متزمّنات متخصّصة بأزمنة متعيّنة. فالعلّة الأولى للتغيّر في الوجود على هذا السّبيل هي الموجود الغير القارّ بالذّات الّذي بذاته يتصرّم ويتجدّد على الاتصال وهو الزّمان ، ويتغيّر بحسبه ما هو فيه أو معه تغيّرا على تلك الشّاكلة. والثّانية غير متصوّرة الحصول إلّا أن يكون وجودها في المكان أو مع المكان معيّة منتهية إلى الفيئيّة ، فتكون هي ، لا محالة ، متأيّنات متخصّصة بأيون متميّزة وأمكنة متعيّنة.
فالعلّة الأولى للتكثّر في الوجود على هذا السّبيل هي الموجود القارّ الّذي لذاته