وأمّا الثّابتات الصّرفة المفارقة الذّوات من كلّ جهة ، فلا يعقل كونها مكانيّة أو زمانيّة أو متمّتية بجهة من الجهات أصلا. ثمّ من الموجودات ما ينشأ منه الزمان ويقوم [١٠٢ ب] وجوده فيه ، كالفلك الأقصى وحركته ، فكيف يوجد في الزمان ، وهو متقدّم الوجود عليه. وإذن فما ظنّك بالثابتات الصريحة المحضة ، أعني الجواهر العقليّة الّتي هي أقدم في التّقرّر والوجود من الفلك أقدميّة بالذّات. ثمّ بالموجود الحقّ الّذي هو مبدع الجميع وجاعل الكلّ على الإطلاق.
فإذن ، الثّابتات الصّرفة ليست توجد في الزمان ، كما الزمانيّات ، بل إنّما وجودها مع الزّمان الممتدّ من آزاله إلى آباده ، ومع أيّ جزء مفروض فرض فيه معيّة ، على خلاف شاكلة المعيّة الزّمانيّة ، هذه المعيّة لها بإزاء تلك الفيئيّة للزّمانيّات. فتلك الفيئيّة متى الزّمانيّات. وهذه المعيّة للثابتات بإزاء المتى. فهذا نحو من الكون أرفع من الكون الزّمانىّ ، وهو المسمّى بالدّهر ، وهو وعاء الزّمان ، بل وعاء الوجود الصريح المرسل على الإطلاق ؛ وليس يتصوّر فيه إمداد ينطبق عليه الممتدّات والمستمرّات ، ولا طرف امتداد ينطبق عليه الدّفعيّات الغير المستمرّة ، لا بحسب الأعيان ولا بحسب التوهّم.
وبالجملة ، «الزمان» ظرف التغيّرات والحركات ، وما فيه حدود فوت الفائتات ولحوق اللّاحقات ، وما به القبليّات المترتّبة المتعاقبة ، وما به المعيّات الزمانيّة الدفعيّة والاستمراريّة. و «الدهر» وعاء التّقرّر السّاذج والثّبات الباتّ ، وما به القبليّة الواحدة الّتي هي للجاعل الفاطر السّرمديّ على قاطبة الحوادث ، وهي زمر مفطوراته ومجعولاته بحسب وجوده الحقّ ، وعدمها فوجودها الصّريحين ، أى : اللّذين لم يشابا بامتداد ومقابله ، وما به [١٠٣ ظ] المعيّات الغير الزّمانيّة والغير الآنيّة ، وما لا يعقل فيه حدّا فوت ولحوق ، بل يقع فيه وجود الحادث في حيّز عدمه الصّريح بعينه على الاستبدال وهناك كون متقدّس على نحو آخر أعلى من أن يوصف ، وأقدس من أن يقاس ، محيط بالزّمان والدهر إحاطة غير متناهيّة الشدّة والقوّة ولا متصوّرة الكنه ، وهو المصطلح على التّعبير عنه ب «السّرمد».
تشريق
(٧٢ ـ نسبة الأمكنة والأزمنة إلى القيّوم واحدة)