الوجود المرسل المنتزع منها. فالوجود مباين التشخّص بالمفهوم. وإنّما تحصّصه بالهويّة المتشخّصة بعد استتمام شخصيّتها ، كما تشخّص الأعراض القائمة الوجود فيها بعد ذلك. بل إنّما أعني : أنّ استنادها إلى الموجود الحقّ المتشخّص بذاته ممتازة منحازة عن سائر المستندات إليه من الهويّات ، هو ما به متشخّصيّتها ، أى : امتناع قولها على الكثرة ، والعوارض المشخّصة بالتّسمية الاصطلاحيّة لواحق النّوع ومفيدة التميّز عن سائر الهويّات ولوازم الشّخصيّة المقابلة لإمكان الشركة وأماراتها. فإذن ، جاعل الذّات والوجود هو فاعل التشخّص.
فاستذكر ما علّمناك في مسلف القول ، من الفرق بين المنتزع منه ومطابق الانتزاع ، وتعرّف أنّ سبيل الوجود والتشخّص في ذلك واحد. فكما الوجود ينتزع من الجائزات على أن هي بذواتها ليست مطابق الانتزاع ، بل إنّما مطابقه ومصحّحه استنادها إلى الموجود الحقّ بنفس ذاته ، فكذلك التشخّص ينتزع من الأشخاص الجائزة على أن هي بهويّاتها ليست مطابق الانتزاع ، بل إنّما مطابقه ومبدأ تصحّحه استنادها إلى المتشخّص الحقّ بنفس ذاته.
فكما تعرّفت : أنّ الجاعل الحقّ ، سبحانه ، موجد الموجودات ، ووجودها أيضا الوجود الحقيقىّ ، لا الانتزاعىّ ، فتعرّف أنّه ، عزّ شأنه ، مشخّص المشخّصات ، وتشخّصها أيضا التشخّص الحقيقيّ الّذي هو مبدأ امتناع الشركة ، لا الانتزاعيّ [١٠٦ ب]. فالاستناد إليه ، على سبيل الانفراد والانفراز عن سائر الشخصيّات بتضامّ عوارض مميّزة تلحق الطبيعة المرسلة ، مناط المتشخّصيّة ، كما للهويّات الشّخصيّة وعلى سبيل المخلوطيّة ، والاتّحاد بالهويّة المتشخّصة مناط المحفوفيّة بالشخص ، كما للطبائع المرسلة.
فلذلك ليس تعدّد الأشخاص تعدّد الطبيعة المرسلة بالذّات ، بل إنّما بالعرض ، إذ العقل في اللحاظ التحليلىّ يجد الوجود في الأعيان إنّما بالذّات للهويّات بما هي هويّات متعدّدة وللطبيعة المرسلة بما هى هى ، لا بما هي واحدة أو متعدّدة. وقولنا في أضعاف الصّناعة : «الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد» ، إنّما نروم به المعنى الأعمّ من المشخّصيّة ومن المحفوفيّة بالتشخّص.
واعلمن : أنّ الهويّة إذا كان نوعها فى شخصها ، فالجاعل التامّ يفعل تشخّصها