بذاته ويفيض شخصيّتها من حيث هي هي بالذّات. وإذا كانت طبيعتها النّوعيّة منتشرة في أشخاصها عديدة ، كان الجاعل الحقّ إنّما يفعلها بشخصيّتها من حيث إنّه جزء النظام التّامّ الواحد بالشخص على الانفصال عن سائر الأجزاء المتمايزة المتفارزة فى الذّات والوجود.
وإن سألت الصّواب القراح ، فالجاعل الحقّ بذاته يفعل شخصيّة النظام الجملىّ بالذّات وبالقصد الأوّل ، وسائر الشخصيّات من حيث هي أجزاء نظام الغير الشخصىّ الواحد بالشخص منحازا بعضها عن بعض. فالتّشخّص مطلقا من حيث إنّ نوع النظام لا يصحّ إلّا في شخصه الّذي يفعله الجاعل الحقّ بمحض جوده الّذي هو نفس ذاته.
فهذا مبلغ كنه المعرفة في مسألة التشخّص [١٠٧ ظ] ، وهو ما تواطأت عليه كرام الفلاسفة الأوّلون ورؤساء الصناعة الأقدمون من المشّائيّة والرّواقيّة. ولكنّا نحن قد أسبغنا رمّه وأبلغنا ثمّة ، فالفلسفة المنسوخة اليونانيّة والحكمة الناسخة اليمانيّة في رصد هذه الحقيقة لبمرصاد واحد ، لكنّ الحكمة اليمانيّة على غضاضة بصيرة ونضارة غضيضة ، وإنّ أمّة الظنّ والتخمين عن سبيل الملكوت لفى ضلال بعيد وجهالة عريضة.
تشريق
(٧٦ ـ العلم بالجسمانى إحساسى او تعقلى)
فإذن ، لا يختبئنّ عن خبرك : أنّ العلم بالشخصىّ الجسمانيّ المدرك بشخصيّته وجسميّته يتصوّر على سبيلين : أحدهما : أن يكون إشاريّا إحساسيّا انفعاليّا ، مستفادا عن نفس وجوده المتخصّص بوضعه وأينه ومتاه ، وعن خصوصيّة وضعه ومكانه وزمانه. وهو الإدراك المتغيّر بتغيّر المعلوم بتّة. ويسمّى في الاصطلاح الصّناعىّ بالعلم الزمانىّ وبالعلم بالجزئىّ على الوجه الجزئيّ. وثانيهما : أن يكون علما تعقّليّا فعليّا من جهة العلم بجملة علله والإحاطة بجميع أسبابه المتسلسلة على الترتيب والتدرّج منتهية إليه. وهذا هو المسمّى في الصّناعة بالعقل التامّ الغير الزمانىّ وبالعلم الجزئيّ على الوجه الكلّىّ ، لأنّه كتعقّل الطّبائع المرسلة والكليّات في الثّبات على حالة واحدة.
فهو ليس يتبدّل ولا يتغيّر بتغيّر المعلوم في نفسه بحسب افق التقضّى والتجدّد ، بل المعلوم وإن كان متغيّرا في الزمان فإنّه بشخصيّه يحضر مع وقته ومكانه