إليه تقرّرها ووجودها له ، سبحانه. وقوله ، سبحانه : (بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) أى : بشيء من هويّات الموجودات ، الّتي هي بعين ذواتها ووجوداتها أخيرة مراتب علمه التفصيلىّ.
ولعلّ في قوله عزّ من قائل : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (الأنعام ، ٥٩) إشارة إلى الإحاطة بالأسباب المنتهية إلى شخصيّات نظام الوجود ، فهى مفاتيح الغيب ، وليس يحيط بجميع الأسباب إلّا هو. ثمّ في قوله الكريم : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (الأنعام ، ٥٩) ، وكذلك في كريمة أخرى (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) يونس ، ٦١) ، إن سيق القصد إلى انكشاف الموجودات بحسب وجوداتها العينيّة ، ريم ب (الْكِتابِ الْمُبِينِ) شخص النظام الجملىّ التامّ المتّسق. وإن سيق إلى معلوميّتها بحسب صورها المنطبعة في المدارك العقلانيّة والنفسانيّة عنى به جوهر مفارق ينتقش فيه صورة نظام الوجود من أوّله إلى أقصاه. والله عنده علم الكتاب.
وهم وتقديس
(٧٩ ـ علم البارى العلم التامّ بكنه الماهيّة ليس يزداد أو يشتدّ)
ربّما وسواس الوهم يزعج [١١٠ ب] سرّك : أنّ الحوادث لم تكن متقرّرة الذّوات في الأعيان ، ثمّ تقرّرت من بعد البطلان ، وقد أصّلتم أنّ ذوات الموجودات ووجوداتها هي بعينها أخيرة مراتب العلم. فهذه المرتبة من العلم لم تكن عند عدم الحوادث ، ثمّ إنّها كانت من بعد اللّاكون حين وجودها ، فما شأنها؟ أهى من المراتب الكماليّة للعليم الحقّ ، فكيف يصحّ عدمها أوّلا ، ثمّ حدوثها أخيرا ، أو لا؟ فكيف تليق بجنابه؟
فإن كنت ، بعد ما فصّل عليك ، في ريب من أمرك ، كرّر عليك القول المزيح ، لذلك الإزعاج على سبيل الاستيناف ، فقل لى انزعاجك فى العدم الزمانىّ للحوادث الزمانيّة ، فقد عرّفناك أنّ العدم الزمانىّ إنّما يحسب عدما في أفق التقضّى والتجدّد وبالقياس إلى الذّوات الزمانيّة ، لا بحسب الواقع في وعاء الوجود الّذي هو الدهر وبالنسبة إلى الموجود الحقّ والجواهر التامّة فالمعدوم الزمانىّ موجود بالفعل ، بحسب نفس الأمر في حدّ وقته ، ووجوده في ذلك الوقت بخصوصه مبصر البصير الحقّ دائما أو في العدم الدهرىّ للحوادث الدهريّة ، وهي جملة الجائزات طرّا. فقد