تقديس
[٨٧ ـ العالم الحقّ كما لعلمه مراتب لإرادته أيضا مراتب]
فإذ قد انصرح لك : أنّ إرادته تعالى غير مغايرة الذّات والمفهوم لعلمه ، فاعلمن : أنّه، كما لعلمه ، سبحانه ، مراتب ، وأخيرة مراتبه وجودات الموجودات ، على معنى أنّ وجودها غير محتجبة عنه هو بعينه معلوميّتها له ، لا عالميّته بها ، على ما قد تعرّفت ؛ فكذلك لإرادته ، جلّ ذكره ، مراتب ؛ وأخيرة مراتب الإرادة هي بعينها ذوات الموجودات وهويّاتها المتقرّرة بالفعل ، وإنّما هي عين الإرادة بمعنى مراديّتها له ، لا بمعنى مريديته لها.
ثمّ المراديّة أيضا : بمعنى صدورها عنه بالفعل مرضيّا بها ، لا بمعنى كونها مرضيا بها ، فإنّ ما به فعليّة الرّضا ومبدئيّة التخصّص هو نفس ذاته سبحانه ، وذلك أقوى في إفادة الاختيار : ممّا أن يكون ما به فعليّة الرضا بالفعل أمرا زائدا على ذات الفاعل ، وممّا أن تكون فاعليّة الفاعل لا بنفس ، ذاته بل بأمر ما يلحق ذاته. فإذن ، مجعولاته ، سبحانه ، مرضىّ بها قبل الصّدور [و] عند [١١٧ ظ] الصدور على سبيل واحد ، وليس يتجدّد الرضا عند الصّدور بالفعل ، بل [إنّما] الحادث المتجدّد وجودها بالفعل مرضيّة.
وهذا على مضاهاة ما أسلفنا في العلم : أنّ المعلوميّة الّتي هي بعينها ذوات المتقرّرات ، إنّما معناها تقرّرها بالفعل منكشفة ، لا منكشفيّتها بالفعل ، إذ تلك حاصلة قبل التّقرّر وعند التّقرّر على سبيل واحد. وما به الانكشاف هو نفس ذات الجاعل التّامّ العليم. والمنكشفيّة ، إذ ذاك أقوى ممّا أن يكون ما به الانكشاف هو وجود ذات المعلوم بالفعل ، أو حصول صورته الظلّيّة.
فمن المستبين : أنّ الشّيء الواحد بعينه يصحّ أن تكون له صور ظلّيّة غير محصورة بحسب أذهان كثيرة أو بحسب أوقات كثيرة ، وليس يصحّ إلّا ترتّب المجعول الواحد بعينه على جاعله التامّ الواحد بعينه. فانكشاف الجاعل التامّ أقوى إفادة لتعيّن ظلّه الّذي هو جوهر ذات المجعول المترتّب على نفس ذاته من انكشاف الصّورة الظلّيّة.
فإذن ، قد استبان : أنّ الإرادة الّتي هي عين هويّات المخلوقات إنّما هي تقرّرها بالفعل مرادة ، وهي ليست صفة للخالق متجددة له أخيرا ، بل هي من شئون هويّات