وقال في حادى عشر ثالثة الفنّ الأوّل من طبيعيات «الشفاء» : «إنّ الحركة وكلّ ما لم يكن ثمّ كان ، فله علّة توجب وجوده بعد عدمه ، ولولاها لم يكن عدمه بأولى من وجوده ، ولا يتميّز له أحد الأمرين لذاته ، فيجب أن يتميّز لأمر. وذلك الأمر إن كان تميّز ذلك الوجود عنه عن العدم ولا تميّزه سواء ، كان الأمر بحاله ، بل يجب أن يكون الأمر يترجّح فيه تميّز الوجود من العدم ، والترجيح إمّا أن يكون ترجّحا يوجب أو ترجّحا لا يبلغ أن يوجب ، فيكون الكلام بحاله ، بل يجب لا محالة أن يوجب. وعلى كلّ حال فيجب أن يكون سبب مرجّح أو موجب قد حدث.
والكلام في حدوثه ذلك الكلام بعينه ، فإمّا أن يكون لحدوثه أسباب ذات ترتيب بالطبع ، لا نهاية لها موجودة معا ، أو موجودة على التتالى. فإن كانت موجودة معا فقد وجد المحال. وإن كانت موجودة على التتالى ، فإمّا أن يكون كلّ واحد منها يبقى زمانا أو تتتالى الآنات ، فإن بقيت زمانا كانت حركة بعد حركة على التشامع لا تنقطع ، وكان قبل الحركة الأولى حركة ، وكانت الحركات قديمة ، وقد جعلنا لها مبدأ ، هذا خلف ؛ وإن بقيت آنات فتتالت الآنات بلا توسّط زمان. وذلك محال.
فبيّن أنّه إذا حدث في جسم أمر لم يكن ، فقد حصل لعلّه ذلك الأمر إلى الجسم نسبة لم تكن. وتلك النسبة نسبة وجود بعد عدم لذات أو لحال ، إمّا حركة توجب قربا أو بعدا أو موازاة ، أو خلافها ، وإمّا حدوث قوّة محرّكة لم تكن وإمّا إرادة حادثة.
وكلّ ذلك فلحدوثه سبب الاتصال شيئا بعد شيء. [وذلك لا يمكن إلّا بحركة تنظم الزمان شيئا بعد شيء] ، ويحفظ الاتصال لامتناع تتالى الآنات ، ولأنّه إن لم تكن حركة تنقل أمرا إلى أمر وجب أن تقع العلل والمعلولات معا. فإنّ السبب الحادث الموجب أو المرجّح إن كان قارّ الوجود فإنّه إمّا أن يكون بطبيعته يوجب ويرجّح ، أو يكون لأمر يعرض له. فإن كان ذلك لطبيعته تميّز عنه وجود ما هو علّته ، وإن كان لعارض فليس هو لذاته علّة، بل مع ذلك