القدرتين على أن يتعلّق قدرة الله تعالى بقدرة العبد وهي بالفعل». وذكر الإمام الرازيّ وتبعه بعض المعتزلة : «أنّ العبد عندهم موجد لأفعاله على سبيل الصحّة والاختيار ، وعند الحكماء على سبيل الإيجاب ، بمعنى أنّ الله تعالى يوجب للعبد القدرة والإرادة ، ثمّ هما يوجبان وجود المقدور».
وأنت خبير بأنّ الصحّة إنّما هي بالقياس إلى القدرة ، وأمّا بالقياس إلى تمام القدرة والإرادة فليس إلّا الوجوب وأنّه لا ينافي الاختيار. ولهذا صرّح المحقّق في «قواعد العقائد» : أنّ هذا مذهب المعتزلة والحكماء جميعا. وقال في «التلويح» تبيينا وشرحا لقول صدر الشريعة ، وهو من فضلاء المعتزلة وحذّاقهم : «الجبر إفراط في تفويض الأمور إلى الله تعالى والقدر تفريط في ذلك. والحقّ ، أى الثابت في نفس الأمر ، هو الحاقّ. أى الوسط بين الإفراط والتفريط ، على ما أشار إليه بعض المحقّقين ، حيث قال : «لا جبر ولا تفويض ، ولكنّ أمر بين أمرين». وحقيقة الحقّ احتراز عن مجازه ، أى عن ما يشبه الحقّ وليس بحقّ».
الإيقاظ الرابع
(الروايات والأخبار في الأمر بين الأمرين)
ما نحن ، معشر الحكماء الراسخين والعقلاء الشامخين ، أفدنا المستفيدين في هذه المزلقة وأفتينا المستفتين في هذه المسألة ، فهو ممّا قد تظافرت بالتنصيص عليه من سادتنا الطاهرين خزنة أسرار الوحى وحملة أنوار الدين ، صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين ، أخبار جمّة معتبرة الأسانيد متواترة المعنى.
(١) فقد روينا من طريق رئيس المحدّثين أبى جعفر الكلينىّ ، رضى الله عنه ، في جامعه «الكافى». (ص ١٧٠) ومن طريق الصدوق أبى جعفر بن بابويه ، رضوان الله تعالى عليه ، في مسنده المعروف بكتاب «التوحيد» (٢٦) عن يونس بن عبد الرحمن ، عن غير واحد ، عن أبى جعفر وأبى عبد الله (ع) قالا : «إنّ الله أرحم بخلقه من أن يجبر ، خلقه على الذنوب ثمّ يعذّبهم بها ، والله أعزّ من أن يريد أمرا فلا يكون. قال : فسئلا : هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا : نعم ، أوسع ممّا بين السماء والأرض».
(٢) ومن طريقهما عن يونس بن عبد الرحمن ، عن حفص بن قرط ، عن