الأولى البعيدة بالذّات من حيث جوهر ذاته. وبالعرض من جهة استناد علّته القريبة وافتياقها إليها جميعا وإن كان هو في حدّ جوهره بحيث لا يصلح للاستناد إليها من بدء الأمر ، بل يفتقر إلى أن تكون هناك وسائط متمّمة ومتوسّطات مهيّئة. وذلك كما كلّ ما على ساهرة طباع الجواز بالنسبة إلى جناب القيّوم الواجب بالذّات جلّ ذكره.
ألسنا قد علّمناك باذن الله ، سبحانه ، فى أضعاف ما حققناه في كتبنا وتضاعيف ما أوضحناه في صحفنا ، أنّ طباع الجواز الذاتىّ هو العلّة التامّة المستند بالعليّة لفاقد الشيء الجائز وافتقاره إلى علّة فاعلة تفعل ذاته وتفيض وجوده على الإرسال في جليل النظر وإلى أن يكون ما يفعل ذاته ويفيض وجوده ويعطى وجوبهما قيّوما واجبا بالذّات في النظر الدقيق والتأمّل الغائر. وأنّ الفحص البالغ في ظاهر النظر يقضى أنّ المفتاق إليه بالذّات وبالقصد الأوّل بالنظر إلى طباع المعلوليّة الصدوريّة إنّما هو خصوص العلّة الجاعلة. وأمّا سائر العلل من الشرائط والأسباب ، فليس افتقار المعلول إليها إلّا في أن يتمّ تهيّؤه ويكمل تأهّبه للاستناد إلى العلّة الفاعلة ، فتلك هي المفتاق إليها بالعرض وبالقصد الثاني ، وإلّا لزم إمّا أن يكون لكلّ معلول جميع قبائل العلل وشعوبها وإمّا أن لا يكون طباع الامكان هو العلّة التامّة للافتقار إلى العلّة.
ثمّ عند غائر التأمّل وغائص التفتيش ينصرح أنّ كلّ معلول بطباع معلوليّة حقيقته وإمكان ذاته إنّما هو حائج بالقصد الأوّل إلى الجاعل القيّوم الواجب بالذّات عزّ سلطانه : فإن كان بجوهر حقيقته وخصوص هويّته تامّ الصلوح للفيضان عنه ، كان الصادر الأوّل والمجهول الأقرب ، وإلّا نأى بالدرجة وتعلّق بما يكسبه صلوحا لقبول الفيض ويستكمل به قوّة على الاستناد. وأنّ البارى الفعّال فيّاض لذاته وهّاب على الإطلاق ، جواد لا بضنانة. وإنّما يتخصّص فيضه العامّ وجوده المعلّق بحسب تخصصات القوابل وخصوصيّات الماهيّات واستحقاقات الذوات.
فإن أزعج سرّك : أنّ لازم الماهيّة ، ككون الأربعة زوجا ، مثلا ، أيضا من الجائزات بالذّات وتحت ما يحكم عليه بالإمكان الذاتىّ ، فما باله يستند إلى نفس ماهيّة الملزوم بالقصد الأوّل وإلى جاعله الواجب بالذّات بالعرض؟
قيل لك ، أوّلا : إنّما قد أسمعناك أنّ لازم الماهيّة على الإطلاق إنّما هو مفاد الهيئة