وعلى الأوّل تزداد الأقسام بالأحكام الوضعية. وهي في المشهور عند الأكثرين ثلاثة ، السببيّة والشرطيّة والمانعيّة. فتصير الأحكام ثمانية. وفريق من الأصوليين يزيدون في خطاب الوضع ، الصحّة والبطلان والعزيمة والرخصة. وزاد آخرون التقدير والحجّة ، فيزداد بحسب ذلك أقسام الاحكام الخمسة.
وعلى الثاني ينتقص الأحكام ، إذ كما الحكم الصريح الوضعيّ حكم ضمنيّ تكليفىّ ؛ فالسببيّة في قوّة وجوب المسبّب أو استحبابه عند وجود السّبب. والشرطيّة في قوّة وجوب الشرط أو استحبابه عند شغل الذمّة بالمشروط. والمانعيّة في قوّة حرمة الإتيان بالفعل أو كراهته مع تحقّق المانع ؛ فكذلك الحكم التكليفىّ الوجوبىّ في قوّة حرمة ترك الفعل ، والحكم التحريمىّ في قوّة وجوب التّرك ، والحكم الاستحبابىّ في قوّة كراهة التّرك ، والحكم الكراهيّ في قوّة استحباب التّرك. فعلى هذا تصير الأحكام ثلاثة ، الإباحة ، والوجوب أو الحرمة ، والندب أو الكراهة.
وهذا الشكّ قد حلّلنا عقده من سبيلين في حاشيتنا على الشرح العضدىّ للمختصر الحاجبى في أصول الفقه ، وفي حواشينا المعلّقات على قواعد شيخنا المحقق الفريد السعيد الشهيد نوّر الله تعالى رمسه ، وفي رسالتنا «السبع الشداد» في حلّ إشكالات سبعة عويصة. والحمد لله ربّ العالمين حمدا يليق بكرم وجهه وعزّ جلاله.
الإعضال السّابع عشر
(الصلاة في المكان المغصوب)
قد استدلّ أصحابنا ، رضوان الله تعالى عليهم ، على عدم صحّة الصلاة في المكان المغصوب. وكذلك من وافقنا من العامّة بأنّه لو صحّت تلك الصلاة لكان واحد شخصىّ بعينه متعلق الأمر والنهى معا. فهذا الكون في هذا المكان جزء هذه الصلاة ، فيكون مأمورا به. ثمّ إنّه بعينه الكون في الدار المغصوبة ، فيكون منهيّا عنه.
وعليه شك عويص قد تداولته الأقوام وتناقلته الجماهير من العامّة : وهو أنّ متعلق الأمر والنهى واحد بالشخص واحد بالشخص ، ولكن يتعدد باعتبار جهتين ، فيجب بإحداهما ويحرم بالأخرى. فهذا الكون واجب ، لكونه جزءا من الصلاة وحرام ، لكونه غصبا. وهل الكلام إلّا في أنه هل يجوز ذلك من حيثيّتين متغايرتين أولا؟