الذات والوجود بذاته ووجوده ؛ والمتقدّم [كان] غير زمنيّ ، بل متعالي الذات والوجود عن أفق الزّمان من كلّ جهة ، ومع ذلك متقرّر الحقيقة ، موجود الذات بنفس مرتبه ذاته الّتي هي بعينها وجوده في الأعيان ، والمتأخّر مصنوع الماهيّة والإنيّة والذات والوجود للمتقدّم ، وباطل الحقيقة ، هالك الذات في حدّ نفسه ، وهو فائض عن المتقدّم فيضانا مباينا لذاته ، فإنّه لا محالة لا يكون تقدّم المتقدّم عليه تقدّما بالذّات وفي لحاظ العقل لا غير ، بل إنّه يكون متقدّما عليه تقدّما سرمديّا أيضا في الأعيان. فإذا فاض عنه صار معه في الأعيان معيّة دهريّة ، وهو متأخّر عنه بالذّات في لحاظ العقل تأخّرا بالماهيّة وتأخّرا بالمعلوليّة ، ومحكوم عليه بأنّه قد تأخّر عنه بحسب الأعيان تأخّرا دهريّا بعدمه الدّهريّ ، ثمّ صار معه معيّة دهريّة بإفاضته إيّاه في الدّهر.
فإذن تقدّم البارى ، سبحانه ، على العالم تقدّم سرمديّ بالوجود في الأعيان بالقياس إليه ، لا أنّ الوجود شيء ثالث ، بل هو نفسه. وإنّما تفرضه في ذهنك ووهمك ثالثا ؛ وتقدّم بالذّات في لحاظ العقل ، أعنى تقدّما بالماهيّة وتقدّما بالعليّة ؛ والعالم متأخّر عنه ، سبحانه ، تأخّرا دهريّا بحسب الأعيان وتأخّرا بالذّات في لحاظ العقل ، أعني التأخّر بالماهيّة والتأخّر بالمعلوليّة ، إذ كان المجعول لا يتأخّر عن جاعله التامّ تأخّرا بالطّبع.
عقد وعقبات ثلاث
(٤ ـ الجاعل التامّ البارى الأزليّ والزمان الحادث)
إنّ في هذا المقام العضيل المحار المهيل إعضالات عويصة ودواهي عسيرة غير يسيرة ، دير بها على الأذهان وسير بها في الأوهام أدوارا وعصورا ، واعتاص الأمر على فئين من أساطين أولى الحقيقة وكرام أرباب البرهان. فحيل بها في جاهليّة الفلسفة وتشويش الصّناعة بينهم وبين سمت تسواء الحكمة الحقّة المسوّاة قرونا ودهورا. لكنّ الأكثريّ التّدوار على ألسن أرهاط من الأوائل والأواخر في أكثر العصور والأعصار من التّشكيكات والتّعضيلات شبه ثلاث.
أولاها : أنّ الجاعل الموجب التّامّ لعالم الجواز ، إن كان هو القدّوس الحقّ ، تعاظم مجده ، وهو أزليّ الوجود ، والعالم حادث بعد العدم ، فقد لزم التّخلّف عن جاعله التّامّ ، وإن لم يكن هو ايّاه فحسب ، أى لم يكن الجاعل التّامّ بما هو جاعل تامّ أزليّا ،