تسويف الجاعل في الإفاضة مع إمكان اللّاتخلّف ، أى الفيضان عنه من قبل ، بالنّظر إلى طباع جوهر المجعول ، إذ يلزم ، حينئذ ، إمّا خرق فرض استتمام الجاعل ، وإمّا وقوع التّرجيح بالفعل من غير مرجّح يقتضيه ، أو إمكان وقوعه بتّة. وأمّا التّخلّف الصّريح من حيث امتناع الفيضان من قبل بحسب طباع جوهر المجعول ونقص حقيقته ، فليس بجليّة البرهان ولا يصادمه تماميّة الجاعل الموجب ، بل إنّ عزيزة العقل النّاصع توجبه.
والذي يعنى بكميّة التّخلّف وسيّاليّته هو أن يتخلّل بين الجاعل التّامّ ومجعوله امتداد ما غير قارّ ، موجودا كان أو موهوما ، أو طرف امتداد ما كذلك ولو بحسب التّوهّم ، أى يتقدّم الجاعل على المجعول في الوجود تقدّما متقدّرا بذلك الامتداد ومستمرّا بحسبه أو منطبقا على طرف الامتداد ومتخصصا به.
والتّخلّف الصّريح إنّما يعنى به عدم المجعول مع وجود جاعله التّام عدما صريحا ساذجا خارجا عن جنس التّمادى واللّاتمادى ، ثمّ وجوده بالفعل فائضا عنه من بعد ذلك العدم الصّريح الذي قد أبطله صنع الجاعل بالإبداع والإفاضة.
فإذا كان المجعول تامّ القوّة في جوهر ذاته على قبول الفيض مرسلا مطلقا ، امتنع تخلّفه عن جاعله التّامّ على الإرسال والإطلاق. وإذا كان في طباع جوهره بحيث يأبى ذاته إلّا التّخلّف الصّريح ، من جهة ما إنّ طباعه يقصر عن قابليّة التّسرمد ويمتنع بالنّظر إليه إلّا الوجود من بعد العدم الصّريح ، كان يتخلّف عن جاعله التّامّ تخلّفا صريحا غير سيّال ولا متقدّر ولا متكمّم بتّة ولم يكن هناك خلف أصلا. أليس الإمكان الذاتىّ ممّا يتوقّف عليه المجعوليّة وحصول المجعول ، وليس تنثلم بذلك بساطة الجاعل التّامّ ، إذ الإمكان من مراتب ذات المعلول المفروغ عنها عند النظر فى استناده إلى العلّة ، لكونه من متمّمات جوهر المجعول المفتاق ومن مصحّحات المعلوليّة والفاقة إلى العلّة.
وبالجملة إنّما إفاضة الجاهل التّامّ على طباق إمكان جوهر المجعول وقوّة طباعه على القبول. فإذا قيل ، مثلا ، المبدع الجاعل التّامّ لم لم يبدع النّفس غنيّة عن علق المادّة في أفاعيلها كالعقل؟ أو لم لم يخلق الفرس مدركا للطبائع المرسلة ومرتّبا للضوابط الكليّة وصائرا إلى عالم القدس بالاستكمال كالبشر ، أو لم لم يبدع الخمسة