برفع مطلق الوجود ، وهو العدم المطلق في الآزال والآباد رأسا ، أو برفع السّرمديّة ، ويتحقق بالوجود بعد العدم الصّريح. فالّذى يجب بالنّظر إلى ذات العالم هو مطلق العدم الصّريح أعمّ من أن يكون بطلانا محضا فى الآزال والآباد رأسا ، أو ليسا صريحا دهريّا منقضا بالوجود الدّهريّ بعده ، وخصوص كلّ منهما إنّما يتعيّن بعلّة خارجة.
فإذن عدم العالم في الدّهر قبل وجوده الدّهريّ : بما هو عدمه الصّريح في الواقع ، أى بما هو رفع سرمديّته. ذاتيّ له وغير مستند إلى علّة أصلا ؛ وبما هو ينقض بالوجود الدّهرىّ بعده مستند إلى جاعل الذات والوجود بعينه. ولا خلف ، إذا المستند حينئذ حقيقة هو انقضاض العدم ، لا نفسه ، وجاعل الذات والوجود فى الدّهر هو بعينه علّة انقضاض العدم الدّهرىّ.
أما عندك من المستبين أنّ العدم هو ليسيّة الشّيء وانتفاؤه ، لا شيء يعبّر عنه بالانتفاء؟ فإذن قد تمّ ميقات الحقّ وانقضّ جدار التّشكيك بحسب المعضلة الأولى ، (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، (الأنعام : ٤٥).
تشريق
(٨ ـ الابداع والصنع في قاطبة الموجودات»)
وأمّا المعضلة الثّانية ، فلعلّك بما بان لك لو كنت منضوّ الوهم ممقوّ الذهن ، غير مستعسر أمرها ولا مستثقل قدرها أيضا. أليس إنّما يعقل التّعطيل لو كان يوهم هناك امتداد قد سوّف الجاعل فيه الجعل والإفاضة ، أو كان حدّان يتحدّد بهما الجعل واللّاجعل ، فينماز حدّ اللّاجعل عن حدّ الجعل ، أو كان جعل المجعول لا على السّرمديّة ، بل من بعد عدمه الصّريح الواقع في نفس حيّزه الوجود بدلا عنه من تلقاء ضنانة من الجاعل بالإفاضة وإمساك عن الجعل أوّلا ، ثمّ إطلاق الرّحمة وبسط اليد بالجود أخيرا.
وما تلك إلّا ظنون أقوام من الغاغة والجماهير ، أخفّاء الهامّ ، سفهاء الأحلام ، ضعفاء العقول ، أقوياء الأوهام ، يخرصون ما لا يعلمون ويقولون ما لا يفقهون.
فأمّا إذا لم يكد يتوهّم شيء من ذلك أصلا وكان العدم الصّريح الذي قد عبّرنا عنه باللّاخلاء واللّاملاء الزّمانىّ بمعزل عن تصوّر السّيلان واللّاسيلان والاستمرار واللّااستمرار فيه ، ووجود العالم واقعا في حيّزه بعينه بدلا عنه من جهة انقضاضه