بإفاضة الجاعل ؛ وكان الجاعل غير مكتس أخيرا بما ليس هو متجمّلا به أوّلا في نفس مرتبة ذاته ؛ ولم يكن يسنح شيء ممّا هو من جهات ذات الجاعل ولا شيء من الاعتبارات التي هي منتظرات جاعله ؛ بل إنّما كان لا تسرمد المجعولات من قبل قصور حقائقها وضعف ذواتها عن قوّة القبول ، وكان إنّما المتجدّد نفس ذات المجعول لا أمر ما في الجاعل كان يعوزه في الجاعليّة ؛ لم يكن لتوهّم التّعطيل متّسع ، ولا عن القضاء على جملة الجائزات بالحدوثين الذاتىّ والدّهرىّ ممتنع.
أفلا يتبصّر ما ذا يضرّ الشّمس لو لم تكن ساهرة مدريّة تستضيء بنورها أو جدران طينيّة تستشعّ بضوئها ، فما ظنّك بالملك الحقّ والغنىّ المطلق ، فاعل الشّمس والقمر ، جاعل الظّلمات والنّور ، إذا كان مستأثرا بالقدم ، متوحّدا بالسّرمديّة.
فافقهنّ أنّ علوّ البارى الصّانع ومجده في الإبداع والصّنع هو أنه بذاته بحيث يبدع ويصنع ويخلق ، لا بأنّ الأشياء خلقه ، كما شأنه في العلم ، إذ علوّه ومجده في العلم هو أنّه بذاته يعقل قاطبة الأشياء بعين عقله ذاته وتفيض عنه جملة الأشياء منكشفة معقولة ، له بأنّ الأشياء معقولة له ، فإذن علوّه ومجده بذاته ، لا بلوازمه ومجعولاته ومصنوعاته.
تشريق
(٩ ـ كيفيّة خلق العالم بعد عدمه الصريح)
وأمّا التّعضيل الثّالث ، فكأنّا قد كنّا كشفنا الأمر فيه في «الأفق المبين» ، حيث أوضحنا الفرق بين الكميّة الغير القارّة العديمة الوضع والمقادير القارّة ، وحقّقنا أنّ الكم الغير القارّ ، وهو الزّمان المتّصل القائم بحركة الجرم الأقصى ، يمتنع بالنّظر إلى ذاته أن يكون أزيد مقداريّة وأطول تماديا في جهة الأزل ممّا قد خلق عليه. إنّما احتمال الزّيادة والتّزيّد والقوّة على قبول ذلك سنّة المقدار القارّ ، كما لامتداد الجرم الأقصى ؛ فليس يعقل بالقياس إلى الزّمان إلّا عدم واحد هو انتفاء ذاته بالمرّة رأسا ، لا العدم الآخر الذي هو انتهاء انبساط المقدار وانبتات تماديه.
وأمّا حامل محلّه ، وهو الفلك الأقصى ، فيعقل بالقياس إليه العدمان جميعا. فلذلك لم يكن يلزم الزّمان بحسب الحدوث الدّهريّ وتناهي الكميّة في سمت الأزل حدّ ونهاية يحكم على تماديه بالانبتات عند ذلك الحدّ. والأبعاد القارّة