التّقدمة
في تحديد حريم النّزاع في حدوث عالم الجواز [٣ ظ]
أما علّمناك ، في حكمة ما فوق الطّبيعة : أنّ تخصّص التّقرّر بآن ما أو بزمان ما مقطوع من جهة البداية ، يقال له «الحدوث الزّمانيّ» ، وموضوعه ، وهو «الحادث الزّمانيّ» ، يكون لا محالة مسبوق الوجود في افق التّقضّى والتّجدّد بالزّمان القبل وباستمرار عدمه الواقع فيه سبقا زمانيّا. ويقابله «القدم الزّمانيّ» ، وهو أن يستوعب استمرار الوجود قطر أفق التّقضّي والتّجدّد ، فيتحقّق في جميع الأزمنة والآنات ، وليس الاتّصاف بهما إلّا للزمانيّات.
ووقوع التقرّر ، غبّ العدم الصّريح في وعاء الدّهر ، يقال له «الحدوث الدّهريّ». وموضوعه ، وهو «الحادث الدّهريّ» ، مسبوق الوجود في الدّهر سبقا دهريّا بعدم صرف فى الأعيان ، لا بزمان أو آن ، ولا باستمرار للعدم ، أو لا استمرار يتّصف به الحادث الزّمانيّ بما هو موجود متقرّر في وعاء الدّهر ، لا بما هو زمانيّ واقع في أفق الزّمان. ويقابله «القدم الدّهريّ» ، وهو السّرمديّة ، أي تسرمد الوجود في وعاء الدّهر ، لا في أفق الزّمان.
وفعليّة التقرّر بعد بطلان الحقيقة وهلاك الذّات في لحاظ العقل ، يقال لها «الحدوث الذّاتيّ» ، وموضوعه ، وهو «الحادث الذّاتيّ» في حدّ نفسه مسبوق الذّات والوجود ، وهو موجود ما دام موجودا بالبطلان والعدم [٣ ب] أبدا ، ولكن سبقا بالذّات وفي لحاظ العقل ، لا سبقا دهريّا وفي الأعيان ، وهو يستوعب عمود عالم الإمكان على الاستغراق ؛ ويقابله «القدم الذاتيّ» المساوق للوجوب بالذّات.
فاعلمن أنّه ليس يعقل التّنازع في المعنى الأوّل ، فكيف يدّعى للمفارقات المحضة وللزّمان نفسه ولسائر المبدعات ؛ ولا في الثّالث ، فأنّى لأحد أن يفكّ رقبة الإمكان من أسره. فالثّانى هو حدّ حريم الخلاف لا غير ، حيث إنّ جماهير المتهوّسة بتسرمد المبدعات قد زعموا ، في جاهليّة الفلسفة ، أنّ الحدوث الدّهريّ والحدوث الزّمانيّ وإن لم يكونا متساوقين بحسب المفهوم إلّا أنّهما متساوقان بحسب التّحقّق ؛ ولا يوصف بالحدوث الدّهريّ إلّا الحادث الزّمانيّ ، وله اعتبار أن يعرضه