بحسب الواقع. ومن على سنّة الطباع الإنسانيّ يأبى أن يستصحّ وجودها ، لا على المسبوقيّة بالعدم في الواقع. فإذن قد ثبت الحدوث الدّهريّ وبزغ أنّ كلّ حادث زمانيّ فإنّه حادث دهريّ أيضا بتّة وإلّا لم يكن حادثا أصلا.
تشريق
(١٣ ـ الحدوث الزّمانيّ والتّزمّن)
المعنى المعبّر عنه بالحدوث الزّمانيّ ينحلّ عند العقل إلى مفهومين : الحدوث والتّزمّن. فالحدوث هو كون الوجود مسبوقا بالعدم في الواقع ، والتّزمّن هو كونه متخصّصا بالوقوع في شيء من الزّمان. فمن ذلك ، لا من صرف طباع الحدوث ، يلزم أن يكون الوجود المسبوق بالعدم في وعاء الدّهر والواقع مختصّا بزمان ما.
فإذن للحادث الزّمانيّ مسبوقيّة بالعدم الصريح بحسب الواقع ، وعدم مستمرّ في سائر الأزمنة إلّا زمان الوجود ، ووجود في وعاء الدّهر بعد العدم الدّهريّ ، ووجود في افق الزّمان بعد الأزمنة السّابقة على زمان الوجود. وهذان معنيان مختلفان يعبّر عن أحدهما بالحدوث الدّهريّ ، وعن الآخر بالحدوث الزّمانيّ [١٦ ب]. والوجود الّذي للحادث في زمان وجوده وجود في وعاء الدّهر وفي افق الزّمان باعتبارين.
تشريق
(١٤ ـ الحدوث الدّهريّ والحادثات)
إنى أظنّك ، الآن ، مستشعرا : أنّ الحدوث الزّمانيّ بما هو حدوث زمانيّ ليس البتة يستوجب تخلّف موصوفه وتأخّره تأخّرا زمانيّا إلّا عمّا قد حفّه افق الزّمان حفّا. أليس هو إنّما يستوجب التّخلّف في الوجود عمّا قد تخلّل بينه وبينه زمان ما أو آن ما. وأمّا من يتعالى عن غواشى التّزمّن ويستحيل بالنّسبة إليه ذلك ، فليس يتخلّف عنه الشّيء بحسب كونه حادثا زمانيّا ، إذ هو متخصّص الوجود بزمان ما بخصوصه. وقاطبة الأزمنة بالقياس إلى حضرته على سنّة متّفقة وفي موطئ واحد. فالحادث بما له الحدوث الزّمانيّ لا يتخلّف عن القيّوم الواجب بالذات ، عزّ اسمه ، بل إنّ ما يستوجب التّأخّر عنه في الوجود ليس إلّا الحدوث الدّهريّ. فالأوّل الحقّ والحادث