النّظام الأكمل المتعيّن بعناية البارى الحقّ سبحانه وعلمه التّامّ بالأصلح على احتذاء ما قالته الحكماء في خصوصيّات النّظام الجملىّ وأجزائه.
أليس الأوّل تتضاعف به الدّاهية ، إذ يستوجب وجود الحادث المتحدّد بذلك الحدّ بعينه في الأزل ، إذ علّته التّامّة موجودة في الأزل ، فإذن تلزم أزليّة الحادث وذلك الحدّ جميعا. ثمّ أليس التّرجيح بنفس الإرادة لا بمرجّح غيرها ملزوم التّرجّح لا مرجّح أصلا. والثّاني ليس يتصحّح على أصولهم وأوضاعهم ، إذ لممتدّ الموهوم ليس على ما يزعمون إلّا عدما محضا. ولن يستسوغ العقل الصّريح أن يتميّز في العدم الصّرف حال ، الأولى بالصّانع فيها أن لا يضع شيئا ، أو بالأشياء أن لا توجد عنه أصلا ، وحال بخلافها. وأمّا الحكماء فأمرهم في ما قالوه على طور آخر محصّل.
تعقيب
(١٣ ـ قاطبة الأشياء المسبوقة بالعدم الدهريّ فائضة عن صنع الجاعل الحقّ)
إن غشيك الوهم أنّه قد صحّ أن لا تعطيل في الوجود بحسب اللّاإفاضة في العدم الصّريح الدّهريّ ، لكنّه لا محيص عنه بعد الإفاضة على ما قد اقترّ أنّه سبحانه قد فعل النّظام الجملىّ بقضّه وقضيضه في الدّهر مرّة واحدة. وهل ذلك إلّا على مضاهاة قول اليهود: (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا ، بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (المائدة : ٦٤).
فتدبّر أمرك واعمل رويّتك واعلمن أنّه إنّما كان يعترى التصوّر شيء من ذلك لو كان يعقل عند ربّك وفي صقع الرّبوبيّة وفي كبد الوجود الصّريح ومتن وعاء الدّهر سيلان وامتداد وتقضّ وتجدّد. وأمّا على ما هو الحقّ القراح وقد استبان لك سبيله فليس يتصوّر بحسب الدّهر إلّا وجود صريح لجملة الجائزات من مبدأ التّجوهر إلى ساقة الوجود في حاقّ كبد الأعيان ، وإنّما هو من تلقاء صنع الجاعل الحقّ وإفاضة وجوده ورحمته. فإذن ليس للإفاضة في الدّهر والفيضان الدّهرى بعد متصوّر وعقب موهوم حتّى يذهب الوهم إلى التّعطيل.
ومن سبيل آخر : إنّا كنّا قد تلونا عليك في صحفنا : أنّ طباع الجواز الذاتىّ هو العلّة المفقرة إلى الجاعل القيّوم الواجب بالذّات جلّ مجده ، وأن سواء بالقياس إلى ذلك حدوث المجعول وبقاؤه جميعا.