له جليل القدر طويل الباع ، تكلّم به عند المأمون في التوحيد :
«جهل الله من استوصفه ، وقد تعدّاه من اشتمله ، وقد أخطأه من اكتنهه. ومن قال : كيف فقد شبّهه ، ومن قال : لم فقد علّله ومن قال : متى فقد وقّته ، ومن قال : فيم فقد ضمّنه ، ومن قال إلى م فقد نهّاه ـ إلى قوله عليهالسلام ـ لا يتغير الله بانغيار المخلوق كما لا يتحدّد بتحديد المحدود ، أحد لا بتأويل عدد ـ إلى قوله ع ـ باطن لا بمزايلة ، مباين لا بمسافة ، قريب لا بمداناة. ثمّ قوله ع : مدبّر لا بحركة ، مريد لا بمهامة ، شاء لا بهمّة ـ إلى قوله ع : ـ لا تصحبه الأوقات ولا تضمنه الأماكن. ـ ثم قوله : شاهدة ـ يعنى الأشياء ـ بغرائزها ـ أن لا غريزة لمغرّزها ، دالّة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقّتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها. ـ إلى قوله : ـ ليس منذ خلق استحقّ معنى الخالق. ـ ثمّ إلى قوله : ـ ولا تجرى عليه الحركة والسكون» ، (التوحيد ، ص ٣٦).
إلى آخر ما ساق إليه القول ، صلوات الله وملائكة عليه. فتلك كلمات تامّات ونظائرهنّ في أقوالهم ، صلّى الله على ارواحهم واجسادهم ، كثيرة غير يسيرة».
تعقيب
(١٥ ـ نظام الكلّ ونظر الطوائف في الحدوث)
يا ليتنى كنت أشعر أنّ الزّمنيّين الذين هم عن ثبات متن الدّهر لا هون ، وبتغيّرات أفق التّصرّم والتّجدّد ملتهون ، كيف يحلّ لهم أن يصطلحوا على النّظام الجملىّ ويقنّنوا على احتذاء الكرام المقنّنين أنّ المطلق العامّ من العقود وإن كان حكم العقد على الموضوعات الزّمنيّة لا يكون صدقه متحيّنا شيئا من الأحايين بل يكون إمّا دائم الصدق وإمّا دائم الكذب ، لا غير ، ويقتاسوا بالحكماء القدّيسين في حكمهم : أنّ نظام الكلّ حاصل بالفعل ، فائض عن الصّنع ، بريئا عن الشّر ، نقيّا من السّوء ، على أبلغ الوجوه في انتظام الخير. أليس لا يعقل لغير القارّات كلّ موجود بالفعل في وعاء التّعاقب وظرف اللّاقرار. فمصير نظام الكلّ عند ظنونهم إلى المذهون في الوهم ، لا إلى الموجود في الأعيان. وبالجملة ، نظام الكلّ على حسباناتهم فاسد كائن ، بل متصرّم متجدّد متحرك فى التّصرّم والسّكون على الاتصال أبدا.