التجدّد والتلاحق ، وكذلك الطبيعتان المتباينتان ، ولا يصحّ بالنّسبة إليه كمال يفقده ويرتقبه، لا من فرائض جوهر الحقيقة ، ولا من نوافل الهويّة والإنيّة. فالمفارقات المحضة جملة فرائضها ونوافلها بالفعل في الفطرة الأولى ، وليس لها كمال منتظر مسلوك إليه وصفة مرتقبة معوق عنها أصلا.
وأمّا مبدعها الحقّ ، تعالى عزّه ، فأقدس وأجلّ من أن ينقاس في مجده ويقاس بغيره. فهو من جميع الجهات والحيثيّات تقرّر بلا ليس ، ووجود بلا عدم ، وفعل بلا قوّة ، ووجوب بلا جواز ، وحقيّة بلا بطلان ، وحياة بلا موت ، وتمام بلا نقص ، ودوام بلا تجدّد ، وبقاء بلا تغيّر ، ووجود بلا تعطيل ، وفضل بلا تأجيل ، فكيف يصحّ أن يتوهّم في حقّه أن يكون موضوعا لتغيّر وتجدّد ومحلا لحادث ومتجدّد ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وأمّا جعل العالم وإخراج الإبداعيّات والتّكوينيّات جميعا من كتم اللّيس الصّرف المطلق ومن العدم الباتّ الصّريح فليس من جهة تغيّر في الذات واستحالة من حال إلى حال وطرأ منّة وسنوح همّة ، بل إفاضة الخير على الاطلاق من تلقاء نفس الجواد المطلق الجائد بفضله ورحمته على سياق علمه وطباع حكمته ، وعدم تسرمد الخيرات المجعولة من جهة سنخ جوهر الماهيّة الجوازيّة من قبل طباع الجواز ، لا غير.
تفصية
(٣ ـ الحوادث الدهريّة والحوادث الكونيّة الزمنيّة ونظام الخير)
لا يجتذبنّ سرّك ما أورده رئيس مشّائيّة الإسلاميّين في «التعليقات» ، (ص ١٧٦): أنّ «المعدوم على الإطلاق لا قوّة فيه يقبل بها الوجود من موجده ، فلا يوجد البتة، وليس كذلك الممكن ، فإنّ فيه قوّة ، فلذلك يوجد. ولولاها لما كان يوجد» ؛
فيزعجك إذن : أنّ ما لا يكون هو موجودا ولا مادّته لا يقبل الصّدور عن الجاعل ، إذ المعدوم المطلق ليس له أن يقبل الفيض ، فكيف يتصحح حدوث الجائزات بزمرها وجملها في الدّهر ، وهي معدومة على الإطلاق ، وما قابل الجعل والتّأثير في العدم المطلق. أما تحققت ممّا بسطنا لك تحقيقه في كتبنا وصحفنا : أنّ الشّيء إنّما يقبل الوجود من موجده حين هو موجود ، لا حين هو معدوم ، سواء في ذلك حادث الوجود وسرمديّ التقرّر.