وجوده ، فلا يدور. وإذن يتمّ صدور الحوادث عن المبدأ الأزلىّ ويتأخّر حادث عن حادث لتعاندهما ويكون كلّ حادث علّة لزواله بالعرض ولوجود آخر بعده بالذّات». (تلخيص المحصل ، ربط الحادث بالقديم ، ص ٤٨٤) فهذا منتهى اعتمالات القرائح وامتحانات الأذهان في هذا الموضع.
خلسات ملكوتيّة
(١٧ ـ الذوات الممكنة باطلة إلّا بافاضة الجاعل القيّوم تعالى)
كأنّه قد اخلولق لنا الآن أن نلقى إليك ملكوت الأمر في تحاتّ الشّبه وامتحاء الشّكوك وانحساس التّعضيلات بإذن الله سبحانه ، فنقول ، اعتصاما بواهب العقل وولىّ الأنوار العقليّة : إنّ عدم المعلول ليس يتوقّف بالذّات إلّا على عدم العلّة التّامّة بعينها ، أى على لا جاعليّة الجاعل التّامّ إيّاه ، كما تقرّره ليس يترتّب إلّا على جاعليّته. فشيء بعينه لا يترتّب وجودا وعدما إلّا على شيء بعينه. وأمّا عدم أحد الأجزاء بعينه أو لا بعينه ، وعدم إحدى العلل بخصوصها أو لا بخصوصها ، فعلى خلاف متصوّرات الجماهير ومظنوناتهم من مقارنات الموقوف عليه بالذّات ولوازمه لا من الدّاخلات فيه. وما خمّنه فريق : «إنّ ارتفاع الجزء هو بعينه ارتفاع المركّب» ، ليس أيضا على مستقرّ التّعويل. أليس الجزء والكلّ متغايرين ، والعدم متحصّص متكثّر بتكثّر الموضوعات ، كما الوجود كذلك؟ وإذا لوحظ الكلّ بحسب الفاقة الصّدوريّة صودف الجزء في حيّز المفتاق الصّادر ، لا فى حيّز المصدر المفتاق إليه. فليس يعقل للكلّ صدور مستأنف وراء صدور الأجزاء بالأسر ، ولا فيه تأثير مستأنف وراء التّأثير فيها. وإنّما الجزء في حيّز المفتاق إليه بحسب الفاقة التقوّميّة التّألفيّة. وهو خارج عن جاعل التّقرّر وعن متمّمات الجاعليّة ومنتظرات الصّدور.
ولو كان الأمر على تخميناتهم ، كان الجزء بما هو جزء بعينه داخلا في العلّة وفي المعلول جميعا ، وكان عدمه بما هو عدمه بعينه علّة تامّة لعدم العلّة ولعدم المعلول معا في درجة واحدة ، أو كان هو بعينه عدم العلّة وعدم المعلول جميعا. فكان بعينه علّة ومعلولا لنفسه ، إذ عدم العلّة علّة المعلول :
فإذن قد انصرح أنّ أوّل تلك الاستشكالات ، تشكيك مغالطىّ ، من أخذ ما