عدم إلّا وهو أزليّ ، وأنّ طرأ العدم على الحادث إنّما معناه تخصيص وجوده بزمان محدود في جهة النّهاية بعينه ، كما هو محدود وفي جهة البداية كذلك. وذلك الوجود غير مرتفع عن الدّهر وعن ذلك الزّمان المحدود في الجهتين. وإنّما مضيّه بالقياس إلى الزّمنيّات التي بعده وتخصّص الوجود وتحدّده في الطرفين محوج إلى استعداد المادّة القابلة.
فإذن قد بزغ أنّ العدم اللاحق أزليّ وإنّما استناده إلى عدم تحقّق العلّة التامّة للوجود في الزّمان العاقب من بدء الأمر رأسا ، كما العدم السابق أيضا كذلك ، لا إلى انتفاء جزء من أجزاء العلّة التامّة للوجود في الزّمان الدّارج. فالعلّة التامّة لذلك الوجود ولأىّ وجود قد دخل في التحقّق غير منتفية أبدا.
وإنّما الصّحيح أنّ العلّة التامّة لتقرّر ما مفروض ووجود ما مقدّر غير داخلة في التحقّق من بدو الأمر أزلا وأبدا ، والعدمات الأزليّة ، سابقة كانت أو لا حقة ، متسلسلة في العلّيّة والمعلوليّة على الجهة اللّايقفيّة بما هي متمثّلة في لحاظات العقل ، لا إلى نهاية أخيرة لا تتعدّاها. وهذه الحقائق تستحقّ قريحة ألطف من القرائح الجمهوريّة وذهنا أرفع وأحقّ من الأذهان المشهوريّة.
خلسة استذكارية
(١٨ ـ الحوادث الزّمانيّة وآنات الوجود)
أما كنّا قد أدريناك في كتبنا من قبل : أنّ الحوادث الزّمانيّة على أضرب ثلاثة ، تدريجىّ الحدوث ودفعىّ الحدوث وضرب آخر كالواسطة بينهما هو زمانىّ الحدوث ، لا على المشاكلة الانطباقيّة ؛ وألقينا إليك ضابطا : إنّ كلّ ما هو حادث في الزّمان وليس حصوله متحدّد البداية بآن بعينه يكون هو أوّل آنات الوجود ، فإنّ عدمه السّابق متحدّد النّهاية بعينه بآن هو آخر آنات اللّاوجود. وإذا كان لبداية حصوله آن أوّل ، لم يكن لنهاية لا حصوله السّابق آن آخر ، وكلّ ما هو متجدّد الحصول في الزّمان وليس وجوده الزّمانىّ متحدّد النّهاية بآن بعينه ، يكون هو آخر آنات الحصول ؛ فإنّ عدمه اللّاحق متحدّد البداية الزّمانيّة بآن بعينه هو أوّل آنات الانتفاء. وإذا كان لحصوله في جهة النهاية آن ، لا آن لحصول بعده ، لم يكن لبداية انتفاء اللّاحق آن أوّل ، لا يصحّ للانتفاء آن قبله؟