العقول الهادية ، حمدك عن لسان قدرة [٤ ب] العقل في الأفق الأقصى ، ولك المجد الّذي لا سبيل إليه للمنتهى ، وأنت وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى ، احتجبت بشدّة ظهورك عن أبصار بصائر المفارقات النّاظرة ، ورتّبت بكمال عنايتك الأولى على حسب ازدواج جهتى القهر والمحبّة سلسلتى الأنوار المدبّرة والقاهرة.
يا آخذ العقول والنفوس بنواصيها ، إنّ نفسا جائزة هبطت من ذروة كمالها ، فاغتربت في مغارب هاوية الإدراكات الحسّيّة ، ورجعت عن صوب تجرّدها ، فانتكست في مغايب زاوية اللّذات الجسميّة ، ثمّ أتتك تائبة [٥ ظ] من ذنوب الهيولى فطلبتك ، وناجتك بسهرة الأعين في حيّ جودك على باب عطائك ، وتذكّرت فسارعت راجعة إليك ، مضرمة نار اللهف في مهجة الأسف ، رانّة على ضالّتها من الحكمة المتلفة ، نزيلة بجوار فنائك ، فهل لها إليك من سبيل ، أو تردّها في انقلاب النّاكسين من غير دليل ، لا بل تبلّغها حقّها بالوصال وتؤدّى إليها قسطها من الكمال.
ربّنا وربّ مبادينا ، أنت مبدأ الوجود ومعاده ، [٥ ب] فمنك بدأ في بادئ الأمر وإليك يعود في عائده ، وفضلك ذخر طود الإمكان وعماده ، فلك منك حمد يكون إزاء لوافر إفضالك ورافده.
وصلواتك على ذوى الزّلفة لديك واولى السّفارة من لدنك ، من الذّوات المقدّسة والنّفوس المطهّرة ، ملوك بقعة الشرف والعصمة ورؤساء حظيرة العلم والحكمة ، نفوس جسد الإمكان وشموس فلك العرفان ، مخصّصة بيت قصيدتهم وصدر جريدتهم ، مقوّم الشّريعة النقيّة السّمحاء ومتمّم الطريقة القويمة البيضاء ، (٦ ظ) محمّدا وآله ، نجوم سماء العصمة والهداية ، وأقمار فلك الإمامة والخلافة ، وحماة معالم الدّين وهداة سبل العلم واليقين ، ولا سيّما من هو منهم أعظم بين الأمّة وهم أرومة الفضل وأشرف قبائل النّوع ، كالمعقول بين المحسوس ، إمام طبيعة الإمكان وأمير نوع الإنسان ، على بن أبى طالب ، بأطائب التّسليمات وأزاكيها.
ربّ بدأت فتمّم ، يا واهب الحياة ومفيض العقل ، خلقت فاهد ، قضيت فاعف ، ملكت فأنعم.