وها أنا أتأهّب لعرض بضاعتى المزجاة في عرض من البيان يودع في مساقات ، تسبقها وصيّة ، وتلحقها تختمة ، مبتهلا إلى الله لنيل الرّشاد ، إنّ ربّك لبالمرصاد ، فليصغ الهلوع في تحقيق الحقّ لما يتلى عليه وليصغ المولع بتصديق الصّدق لما يلقى إليه. [١٣ ظ]
عهد ووصيّة
إنّ أقوى ما تتخذه مطيّة في سفرك إلى العالم العقلىّ ورجوعك إلى مبدأ الوجود ومعاده ، هو بارقة العلم ، كما ورد به شريف التّنزيل ونطق به مبلّغه الكريم النبيل ، عليهالسلام ، ولقد قيل: «لو صوّر العقل لأظلمت عنده الشمس ، ولو صوّر الجهل لأضاءت عنده الظّلمة».
وقال معلّم صناعة الفلسفة أرسطوطاليس : «النفس ليست في البدن ، بل البدن في النّفس ، لأنّها أوسع منه ؛ ومن أراد أن ينظر إلى صورة نفسه المجرّدة فليجعل من الحكمة [١٣ ب] مرآة».
وذكر الشيخ الرئيس أبو على ابن سينا في رسالة («المعراج» ، ص ٩٤) على لغة الفرس ما ترجمته :
«إنّ أشرف النّاس وأعزّ الأنبياء وخاتم الرّسل ، عليهالسلام ، قال لمركز الحكمة وفلك الحقيقة وخزانة العقل ، أمير المؤمنين على بن أبى طالب ، عليهالسلام ، الّذي كان بين الصّحابة ، الّذين كانوا هم أشرف قبائل العالم ، كالمعقول من المحسوس : «إذا تقرّب النّاس إلى خالقهم بأنواع البرّ تقرّب إليه بأنواع العقل تسبقهم». («احاديث مثنوى» ، به نقل از حلية الاولياء ، ص ٣١). ومثل هذا الخطاب لا يصحّ ولا يليق إلّا أن تكون المخاطبة مع كريم رفيع القدر [١٤ ظ] عظيم المجد مثله.
قال : «يا على ، إذ عنّى النّاس أنفسهم فى تكثير العبادات والخيرات ، فأنت عنّ نفسك في إدراك المعقول حتّى تسبقهم كلّهم».
فلا جرم ، لمّا صار على ، عليهالسلام ، ببصر البصيرة العقليّة مدركا للأسرار ، نال الحقائق كلّها ، ولذلك قال : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا». لا حشمة ولا جاه للإنسان أعظم من إدراك المعقول. الجنّة المزيّنة المحلّاة بأنواع حليها ونعيمها وزنجبيلها وسلسبيلها إدراك المعقولات ، ودركات جهنّم بأغلالها وسلاسلها [١٤ ب] و