[٢] تحكيم
كأنّك [٢٢ ب] ببصيرة العقل لو اتّخذتها مقياسا تجد ما سلكناه أوثق من طريقتهم أنّ الحادث بعد ما لم يكن له قبل قبليّة يمتنع بها للقبل والبعد أن يكونا معا في الوجود ، لا كقبليّة الواحد على الاثنين وأمثالها من التي لا تمنع ذلك. ففيه تجدّد بعديّة بعد قبليّة باطلة ، وليست هي نفس العدم ، فقد يكون العدم بعد ، ولا ذات الفاعل. فقد يكون قبل ومع وبعد. فإذن هناك شيء آخر لا يزال يتجدّد ويتصرّم على الاتصال ، فسيقرع سمعك أنّ القبليّة الّتي تحجز القبل والبعد عن أن يكونا معا حصول الوجود أعمّ [٢٣ ظ] وأوسع من الّتي تعرض الزّمان بالذّات وتوصف بها الزّمانيّات. فنحو منها يكون باعتبار الزّمان ونحو آخر منها يتقدّس عن الوقوع في افق الزّمانيّات ، وإنّما يكون بحسب الدّهر أو السّرمد.
[٣] تسديد
القبليّة والبعديّة وإن كانتا إضافيّتين لا توجدان إلّا في العقول ، فإنّ ثبوتهما في العقل لشيء بحسب الأعيان يفضى إلى وجود معروضهما بالذّات ، وهو الزّمان ، مع ذلك الشّيء وكونهما إضافيّتين يجب أن يوجدا معا لا يوجب فساد ظنّهم أنّه متصل غير قارّ الذّات. إذ الإضافتان العقليّتان يجب أن يوجد معروضاهما (٢٣ ب) معا في العقل لا في الأعيان ، وعدم الحادث يتصف بالقبليّة باعتبار مقارنة معروضنا ، إذ العدم المقيّد بشيء ما يعقل ويلحق به الاعتبارات الوجوديّة العقليّة.
[٤] إفصاح
هذا المعروض بالذّات ، وهو المسمّى بالزّمان ، حقيقة متجدّدة متصرّمة متصلة بذاتها تنفرض فيها قبليّات وبعديّات متصرّمة ومتجدّدة مطابقة للأجزاء المسامتة والحركة متصلة اتّصالها تضاهي المقادير في امتناع التّألف من غير المنقسمات. فهو مقدار الحركة الّتي هي التّقضّى والتجدّد ، وليس له ماهيّة غير اتصال الانقضاء والتجدّد. كما أنّ الكم المتصل [٢٤ ظ] مقدار الجسم ، ولا حقيقة له سوى امتداد الجسم ، فذلك الاتصال امتداد لا يتجزى إلّا في الوهم. فليس له أجزاء بالفعل ، ولا فيه قبليّة وبعديّة قبل التّجزئة.