[١٠] إحصاء
من النّاس من نفى وجود الزمان مطلقا ، ومنهم من أثبت له وجودا ، لا على أنّه في الأعيان بوجه من الوجوه ، بل إنّه أمر متوهّم ، ومنهم من جعل له وجودا لا على أنّه أمر واحد في نفسه ، بل على أنّه نسبة ما على جهة ما ، لأمور أيّها كانت إلى أمور أخر ، أيّها كانت تلك أوقات لهذه ، فتخيّل أنّ الزّمان مجموع أوقات ، والوقت عرض حادث يفرض مع وجوده وجود عرض آخر ، أيّ عرض كان ، فهو وقت لذلك الآخر ، كطلوع الشمس وحضور إنسان. ومنهم [٣٤ ظ] من وضع له وجودا وحدانيّا على أنّه جوهر قائم بذاته مفارق للجسمانيّات. ومنهم من جعله جوهرا جسمانيّا هو نفس الفلك الأقصى. ومنهم من عدّه عرضا ، فجعله نفس الحركة عودة الفلك زمانا ، أى دورة واحدة. فهذه هي المذاهب المسلوكة في الأعصار السالفة قبل نضج الحكمة. حكى عنها في طبيعىّ «الشفاء» ، (ص ١٤٨).
وأمّا المحصّلون من أرباب الحكمة النضيجة ، فذهبوا [إلى] أنّه موجود مقدار للحركة. ولعلّك من أنفة القول على هدى فيه. ثمّ [٣٤ ب] في مستأنف البيان يتعيّن لديك أنّ ما يستتبعه هي حركة معدّل النهار إن شاء الله الحكيم. وصاحب «التلويحات» يزعم أنّ الحركة من حيث تقدّرها عين الزمان وإن غايرته من حيث هي حركة. فهو لا يزيد عليها في الأعيان ، بل في الذهن فقط إذا اعتبرت من حيث هي حركة. وأبو البركات البغداديّ يتقوّل على الحكمة ، فيألق ويقول : إنّ الزمان مقدار الوجود.
[١١] تذنيب
انتحلت الأشاعرة ثالث المذاهب ، فعندهم الزّمان متجدد معلوم يقدّر به متجدّد مبهم يزال به إبهامه. وقد يتعاكس بحسب متصوّر المخاطب [٣٥ ظ]. فإذا قيل : متى جاء هذا الإنسان ، يقال : عند طلوع الشمس إذا استحضر الطلوع دون المجيء. ثمّ إذا قال مستحضر المجيء دون الطلوع متى طلعت الشمس ، يقال : حين جاء هذا الإنسان ، وكذلك يختلف بالنسبة إلى الأقوام ، فيقال لهم : أجعلتم الزمان نفس ذلك المتجدد وهو أمر موجود ، فكأنّكم نسيتم ما كنتم تذهبون إليه ، من أنّه موهوم. ثمّ إذا بقى مدّة ، و