قال : «وكذلك إن بدّل لفظ المباينة لا مماسّة».
ثمّ أتمّ الحجّة بأنّ الحركة الموصلة إلى الحدّ المذكور إنّما تصدر عن علّة موجودة تسمّى باعتبار كونها مزيلة للمتحرك عن حدّ ما ، مقرّبة له إلى آخر مثلا. وتلك هي علّة الوصول إلى ذلك الحدّ. لكن باعتبار الإيصال. وذلك اعتبار آخر [٧٤ ظ] غير ما بحسبه التّسمية ميلا ، وهي موجودة آن الوصول. فالميل من الأمور التي توجد في آن يكون معلوله ، وليس من التي لا توجد إلّا في زمان ، كالحركة. ثمّ المباينة لا تحدث إلّا بميل ثان يحدث أيضا في آن ويبقى زمانا ، ولا يكون ذلك الآن هو آن الوصول ، فكيف يجتمع ميلان مختلفان في جسم واحد ، فإذن بينهما زمان يكون المتحرّك فيه عديم الميل ، فيسكن.
[٣٦] أوهام وتنبيهات
ولعلّك تقول : ألا لم لا يكون الميل علّة معدّة للوصول ، لا موجبة ، فيجوز أنّ تنعدم ، فيوجد معلولها؟ فيقال لك : ألم يكن النظر في علّة علّته الموجدة ، وهي بعينها علّة صدور الحركة لا باعتبار [٧٤ ب] ما يسمّى ميلا ، أعنى كونها مزيلة المتحرك عن حدّ ما ، مقرّبه إلى حدّ آخر ، فيزول بذلك الاعتبار عند الوصول إلى ذلك الحدّ ، بل باعتبار الإيصال إليه وأنّه يبقى ما بقى معلوله ، كما في طبيعة الحجر من الثقل قبل الوصول إلى حيّزه الطبيعىّ وما دام فيه بعده.
أو تقول : ما ذكر إنّما يصحّ لو صحّ للآن وجود ، وليس يصحّ. فيقال لك : أليس يتعيّن عند الوهم آنات في الزمان تطابق حصول أشياء واقعة ، لا شيئا فشيئا ، بل دفعة ، كطلوع أو غروب. وهذه موهومات انتزاعيّة ليست اختراعيّة ، فيصدق كونها [٧٥ ظ] ظروفا لحصولات أو ارتفاعات.
أو تقول : أليس ينتقض البيان بعلّة الآن وعلّة عدمه. فإمّا أنّ تجتمعا في وقت واحد أو يكون إحداهما تدريجيّة أو يقع بينهما زمان؟ فيقال : سيقرع سمعك أنّه ليس كلّ ما لا يكون حدوثه على التدريج ، فإنّه يكون آنيّا ، بل هناك قسم ثالث هو الحادث في جميع الزمان على أنّ يكون له آن أوّل الحدوث فتربّص.