فصل (٣)
فيه يستقصى النّظر في الآن السّيّال ، وتحلّ شكوك قيلت في أمر الزّمان والآن ،
ويحقّق معنى كون الزمان غير قارّ الذات.
[١] مدخل
هل كفاك سلف القول في كشف الغطاء عن حقيقة الآن ، بمعنى الطّرف الوهمىّ للزمان ، أعنى الذي هو حدّ مشترك بين حاشيتيه ، الماضى والمستقبل ، به يتصل أحدهما بالآخر ، وهو واصل بينهما بذلك الاعتبار ، فاصل باعتبار أنّه يفصل الأوّل عن الثاني ، لكونه نهاية لذلك وبداية لذا. لكن على الجهة التي عرّفناكها [٨٠ ظ] من قبل. وتتحصّل فعليّته الذهنيّة بشعور دفعىّ بمماسّة جسم لآخر ، أو وصول مركز النيّر إلى محاذاة الأفق أو شيء من أشباه ذلك ، وهو نفس طرف الزمان ، لا شيء في طرفه وكذلك سنّة الأطراف. فالسّطح هو نفس ظاهر الجسم ، لا شيء في ظاهره. والخطّ هو نفس طرف السّطح وظاهره، لا شيء هو كذلك. وكذلك النقطة ، فقد حان حين أن تتعرف أنّ هناك آنا على سبيل آخر.
[٢] توطئة
ألم يقرع سمعك في الحكمة أنّ الحركة على معنيين : أحدهما التوسّط بين مبدأ المسافة ومنتهاها ، بحيث أيّ حدّ يفرض في الوسط لا يكون [٨٠ ب] المتحرّك قبله ولا بعده فيه، لا كحدّى الطّرفين ، فهذا هو صورة الحركة ، وهو صفة واحدة بسيطة شخصيّة تلزم المتحرّك ولا تتغيّر ما دام هو متحرّكا وإن تغيّرت حدود التوسّط بالفرض إزاء ما ينفرض في المسافة من التقاط مثلا. وليس كون المتحرّك هو متوسّطا ، لأنّه في حدّ دون حدّ ، بل لأنّه على الصفة المذكورة.
ثمّ هذا الكون في الوسط وإن كان واحدا شخصيّا ، فإنّه من حيث له حدود بالقوّة من جهة اتصال موافاة حدود المسافة يقبل الانقسام بالفرض إلى غير نهاية ، وإلّا كان دفعة ؛ فهو مستمرّ بحسب الذات غير مستقرّ بحسب [٨١ ظ] النسبة إلى حدّ تلك الحدود. فكما أنّ النقطة مثلا في المسافة لا تكون بالفعل ولكن بالقوّة ، فكذلك كلّ