١٣٦) : «إنّ الزمان إمّا الماضى وإمّا المستقبل. وليس له قسم آخر هو الآن. إنّما الآن هو فصل مشترك بين الماضى والمستقبل ، كالنقطة في الخطّ ، والماضى ليس بمعدوم مطلقا ، إنّما هو معدوم في المستقبل ، والمستقبل معدوم [١٠٤ ظ] في الماضى ، وكلاهما معدومان في الآن ، وكلّ واحد منهما موجود في حدّه. وليس عدم شيء في شيء هو عدمه مطلقا ، فإنّ السماء معدوم في البيت وليس بمعدوم في موضعه ولو كان الآن جزءا من الزمان لما أمكن قسمة الزمان إلى قسمين. مثلا ، تقول : من الغداة إلى الآن ، ومن الآن إلى العشاء ، فإن كان الآن جزءا لم تكن هذه القسمة صحيحة ، وإلّا لأمكن قسمة مقدار من الزمان إلى قسمين. فالآن موجود ، وهو عرض حالّ في الزمان ، كالفصل المشترك في الخطّ ، [١٠٤ ب] وليس بجزء من الزمان ، وليس فناؤه إلّا بعبور الزمان ، فلا يلزم منه تتالى الآنات».
[١٩] وهم وإيماء
إن كنت من المتربّصين للتشكيك ، كأبي البركات البغدادى ، أو ممّن يستمع إليهم ، فهوى قلبه سبيلهم ، كالفاضل فخر الدين الرازيّ ، فلعلّك تقول : الزمان لو كان موجودا ، فإنّما يكون مقدارا لمطلق الموجود ، فإنّ الباقى من الأشياء الزمانيّة لا يتصوّر بقاؤه إلّا في زمان مستمرّ. وما لا يكون زمانيّا ويكون باقيا ، فإنّه أيضا لا بدّ وأن يكون لبقائه مقدار من الزمان.
وأيضا إنّا كما نعلم بالضرورة أنّ من الحركات ما كانت موجودة أمس ، [١٠٥ ظ] ومنها ما يوجد اليوم ، ومنها ما يوجد غدا ، كذلك نعلم أنّ الله تعالى كان موجودا بالأمس وأنّه موجود اليوم وسيبقى غدا. فلو جاز إنكار أحدهما جاز إنكار الآخر ، فيكون الزمان مقدار الوجود ، وقد وضع أنّه مقدار الحركة.
ثمّ إنّه كيف يكون مقدارا لمطلق الوجود ، وهو في نفسه إمّا متغيّر فيستحيل انطباقه على الثابت وإمّا ثابت فيمتنع أن ينطبق على المتغيّر. فيقال لك : أما تبيّن في ما سلف أنّ الزمان إنّما هو مقدار كهيئة غير قارّة. وسيستبين الفرق بين الزمانيّات والموجودات الغير الزمانيّة في كيفيّة [١٠٥ ب] الانتساب إلى الزمان وعدمه ، وينكشف معنى البقاء في كلّ من القسمين ، فيستقيم الأمر على ذوق الحكمة وعلى