الامتدادين مع قطع النظر عن الامتداد الآخر ، وكلّ منهما بهذا الاعتبار مقدار موجود محسوس. وذلك موضوع لعلم الهندسة. وعلى ما تؤخذ النهاية في مفهومه ، كما يقال : خطّ وسطح ، بالمعنى المذكور. ولكن يشترط أنّ لا يبقى شيء آخر وراءهما ، [١٠٩ ظ] فشيء منهما لا يصير نهاية إلّا من حيث هذا المفهوم السلبىّ ، وكذلك الآن والنقطة يطلقان باشتراك الاسم على معينين ، أحدهما مبدأ الكميّة ، والآخر ذلك المعنى بشرط لا بقاء شيء آخر وراءه. وما يطلق عليه النهاية إنّما هو المعنى الأخير.
وهذا هو كلام صاحب «التلويحات» حيث قال ، بعد أنّ قرّر أنّ النهايات عدميّة ، لأنّها هي كون الشيء ذا كميّة لا يبقى وراءها منه شيء آخر : «فإن قيل : ألستم حكمتم بأنّ السّطح يحسّ فهو موجود ، يقال : قد يعبّر عن مجرّد طول بالخطّ ومع العرض بالسّطح ، وهما من الكميّة فهو بالاشتراك ، وإلّا النهايات العدميّة [١٠٩ ب] من حيث عدمها لا تحسّ ، والكميّات ما لم يشترط فيها لا بقاء شيء آخر وراءها لا تصير نهاية. فلا بدّ من سلب في مفهومها». فما يدور على ألسنة المتأخّرين أنّه يخالف الحكماء ، فيقول : السّطح والخطّ والنّقطة عدميّات يرجع إلى افتراء عليه أو سوء تفطّن لمرامه.
[٢٣] حكومة وردع
إنّ جمهور الحكماء يقضون بوجود السطح والخطّ والنقطة على أنّها موجودات مغايرة لما هي حدوده بالنوع. ومنهم من يجعلها [الجاعل هو صدر المحققين وتبعه قوم من المتأخرين عنه ، منه رحمهالله] من العوارض التحليليّة للجسم ، يعنى الموجودة بعين وجوده على قياس الأجزاء التحليليّة ، ظانّا أنّ الموجود في الأعيان ليس إلّا الجسم. ثمّ العقل بضرب من التحليل ينتزع منه [١١٠ ظ] السطح ومن السطح الخطّ ومن الخطّ النقطة. ويحكم بأنّها موجودة في الأعيان. لكن لا بوجودات منفرزة عن وجود الجسم ، بل بعين ذلك الوجود. وربما يزعم أنّ في كلام المعلّم الأوّل في إثبات تجرّد النّفس تصريحا بذلك ، وأنّ الشيخ قد حققه في «الشفاء» ناصّا عليه. وكأنّى قد أسلفت لك ما يصدّك عن تسويغ اتحاد العرض والجوهر في الوجود. فعسى أن تكون على هدى في أمرك إن كنت من المتذكرين.
وليست أفقه من قول الشيخ في «الشفاء» إلّا نفى التمايز بحسب الوضع دون نفى التغاير