بحسبهما المعنيان.
فالكائنات مسبوقة الوجود بحسب الوقوع في وعاء الدّهر بصرف العدم مسبوقيّة دهريّة، وبحسب الوقوع في افق التّغيّر باستمراره وبالمدّة والمادّة مسبوقيّة زمانيّة. وأما المبدعات فهي سرمديّة الوجود في وعاء الدّهر ، وليست مسبوقة إلّا بذات الجاعل فقط ، مسبوقيّة بالذّات ، لا غير.
وإذ قد آن للعقل أنّ يتمّ نوره بالبرهان ، فقد استبان في استواء الحكمة : أنّ الحدوث الدّهريّ وإن باين الحدوث الذّاتيّ بحسب المعنى لكنّه يساوقه بحسب [٤ ظ] التّحقّق في الموضوعات ويضاهيه في استيعاب عمود عالم الجواز على الاستغراق ؛ والحدوث الزّمانيّ مباين لهما بحسب المعنى وأخصّ منهما بحسب العروض للموضوعات. وليس أنّ كلّ حادث دهرىّ فهو حادث زمانيّ البتّة ، بل إنّ كلّ حادث ذاتيّ فإنّه حادث دهريّ بتّة.
والكائن والمبدع متضاهيان في المسبوقيّة بوجود القديم الفرد وبصرف العدم الصّريح في وعاء الدّهر ؛ وإنّما الاختلاف بحسب التّعلّق بالمادّة بالطّبع وفى المسبوقيّة باستمرار العدم وبالمدّة والمادّة في أفق التّقضّي والتّجدّد والقدم الدّهريّ ، وهو السّرمديّة في الوجود ، قد استأثر به الجاعل المبدع الحقّ ، تعالى كبرياؤه ، كما استأثر بالقدم الذاتيّ. فهو الّذي استوى على عرش السّرمد ، ولم يكن له شريك في الملك ، وسبحان الله عمّا يشركون.