العدد إمّا مبدؤه كالواحد ، أو أقسامه ، كالزوج والفرد ، أو معدوده. ففى الزمان ما يوجد كالمبدإ ، وهو الآن ، وأجزاؤه من الشهور والأيّام وما يعدّه الزمان ويقدّره كالحركات. والجسم من حيث هو جسم ليس في الزمان ، بل لأنّه في الحركة ، وهي في الزمان. والأشياء الغير المتغيّرة أصلا ، كالعقليّات. والتي تتغيّر وتثبت من جهة كالأجسام هي مع الزمان لا فيه. ونسبة ما مع الزمان إليه في الثبات هو الدّهر ، ونسبة بعضه [١٣٢ ظ] إلى بعضه اصطلح عليه بالسرمد».
[١٣] أوهام وتزييفات
ظنّت طائفة من قدماء الفلاسفة أنّ الدهر ليس حقيقته إلّا الزمان المجرّد من الحركة. قالوا ـ بناء على ما توهّمته أوهامهم : إنّ الزمان جوهرا زكىّ ، وهو واجب الوجود : إنّه لمّا كان كذلك استحال أنّ يتعلق وجوده بالحركة ، فجائز أن يوجد الزمان وإن لم توجد الحركة ، فالزمان عندهم تارة يوجد مع الحركة فيقدّر الحركة ، وتارة مجرّدا فحينئذ يسمّى دهرا.
وكأنّك بتذكار ما أسلفناه لك تذعن أنّ هذه خيالات فاسدة وتخييلات مضلّة. ومنهم من يقول : إنّ الدهر مدّة السكون أو زمان ، [١٣٢ ب] غير معدود بحركة. ويفسده أنّه لا يعقل مدّة ولا زمان ليس في ذاته قبل ولا بعد قبليّة وبعديّة زمانيّتين. وإذا كان فيه قبل وبعد ، وجب تجدّد حال على ما سلف ، فلم يخل من حركة. والسكون يوجد فيه التقدّم والتأخّر على نحو ما أورد سالفا. والقيصريّ يتخيّل «أنّ الدّهر ليس إلّا مقدار الزمان بجملته ، أى بماضيه ومستقبله جميعا بحيث لا فاصل بينهما. وكون هذا المقدار دائما غير منقطع الأوّل والآخر هو السّرمد». فنحن قد أوضحنا ما يكشف عن وهنه ويحدّث بسخافته.
[١٤] ذكر وإفادة
أما كان قد تحقّق لديك ممّا [١٣٣ ظ] سلف أنّ القبليّة والبعديّة الزمانيّتين لا بدّ أن تكونا بحسب الزمان وانفصاله الوهمىّ ، أمّا في أجزاء الزمان فبحسب الزمان الذي هو نفس القبل والبعد ، وأمّا في غيرها فبحسب الزمان المحيط بالقبل والبعد. فاعتبر