الأمر إذن في المعيّة الزمانيّة أيضا على تلك السياقة ، فإنّ معيّة الحركة والزمان هي «متى» الحركة ، أى كون الحركة في زمان ، ومعيّة شيئين زمانيّين هي أنّ «متى» أحدهما عين «متى» الآخر ، أى كونهما في زمان واحد. فالمعيّة الأولى ليست بحسب زمان خارج عن المعين ، بخلاف الثانية ، فلا يلزم من كون الحركة في زمان كون الحركة والزمان [١٣٣ ب] في زمان.
[١٥] إيقاد وإنارة (١)
ألست تفطّنت بما تلى عليك أنّ معيّة الأمور الغير الزمانيّة كالمفارقات ليست بحسب الزمان ، بل إنّما هي بحسب الدهر أو السّرمد. فما به المعيّة هناك ليس إلّا نفس التحقّق الدهريّ أو السّرمديّ من غير أن يكون للزمان إلى ذلك الحريم سبيل أصلا. فكيف ولا ترتبط تلك الأمور بشيء من الزمان وأجزائه بوجه من الوجوه. وفيضانها عن مبدعها إنّما يكون بأن يخرجها إلى الأيس من الليس المطلق ، ولا يعقل أن يتعلق ذلك أو يختصّ بزمان أو آن. وهذه الإضافة ضرب من التأثير مسمّى عند الحكماء بالإبداع [١٣٤ ظ] ، وهو أعلى ضربى التأثير عندهم ، وتتعرف ذلك في ما بعد إن شاء الله تعالى. فتلك المعيّة ليست معيّة زمانيّة ، بل هي معنى آخر وراء الأقسام الخمسة المشهورة للمعيّة ، وهي في المفارقات بإزاء المعيّة الزمانيّة في الزمانيّات ، فإذن هي قسم سادس للمعيّة ، وإنّ أحقّ ما تسمّى به المعيّة الدّهريّة والسّرمديّة.
ثمّ إنّ قاطبة الحكماء وجمهور المتهوّسين بالقدم من محصّليهم لم يذهلوا عن هذه المعيّة، وعدّها من أقسام المعيّة المطلقة على أنّها معنى آخر خارج عن تلك الخمسة. فمنهم من جعلها قسما سادسا ، ومنهم من جعل أحد الأقسام [١٣٤ ب] الخمسة معنى هو القدر المشترك بين المعيّة الزمانيّة والمعيّة الدهريّة والسّرمديّة. وذلك المعنى هو مطلق الاجتماع في التحقّق أعمّ من أن يكون بحسب الزمان أو الدهر والسّرمد. قالوا : العلّة التامّة. والمعلول إمّا أن يكون كلاهما زمانيّين أو كلاهما غير زمانيّين أو أحدهما زمانيّا والآخر غير زمانىّ. ولا محالة يكون الغير الزمانىّ هو العلّة دون
__________________
(١) توقد بنور هذا الفصل نار تلتهب في أساس التهوّس بقدم العالم وتستنير بها ساحة القول بحدوثه ، فوجه العنوان ظاهر. منه رحمة الله.