المتجدّد أو طرفه [١٣٨ ب] أمّا يلزم بإزاء ذلك معنى في التقدّم والتأخّر أيضا ، به يتخلّف المتأخّر عن المتقدّم من دون أن يدخل الزمان فى ما به التخلّف ، بل على أن يكون ما به التّقدم والتأخّر شيئا آخر غير مقدار الزمان أو طرفه يعبّر عنه بالدهر أو السّرمد. فلم تخادعون الحكمة وتخدعون العقل وتعادون الحقّ وتتعدّون عن السبيل ، وأنتم تشعرون. فهذا النحو من التقدّم معنى معقول ، سواء تحقق في مادّة أو لم يتحقق.
فذلك أمر يتبيّن بضرب آخر من النظر ، يبيّن أنّ بعض المعلولات اخرج من العدم الصرف الذي لا يتصوّر فيه الامتداد [١٣٩ ظ] ولا مقابله إلى الوجود الذي هو أيضا كذلك من غير أن يرتبط بزمان أو آن ، فلا يسوغ لكم إلّا الاعتراف بأنّ هذا السبق أمر محصّل عند العقل. نعم لو ادّعيتم أنّه يمتنع أن يتصف به شيء أصلا ، لسمع منكم لو استطعتم إلى الإتيان بساطع البرهان سبيلا. وهذا كما أنّ المعيّة المكانيّة عندكم معنى معقول بإزاء التقدّم المكانىّ. ثمّ البرهان يحقّق أنّه ليس لها معروض أصلا ، لامتتاع وقوع جسم في مكان جسم إلّا على التعاقب. فهلّا اعترفتم بمثل ذلك هناك أيضا. ولكن من لم يجعل الله له نورا فماله من نور.
[١٨] تذكرة وهداية
كأنّه قد قرع سمعك [١٣٩ ب] ما ذهبت الفلاسفة إليه أنّ ترتّب أجزاء الزمان وتعاقبها إنّما يكون بالقياس إلى ما يقع وجوده تحت الكون وفي حيطة الزمان. وأمّا ما يتعالى عن أفق الزمان ويرتفع عن محتد الزمانيّات ، كالواجب الوجود تعالى ، فإنّ وجوده ليس مشمولا للزمان ولا هو مقارن للزمانيّات مقارنة زمانيّة ، بل هو وجود صرف ، سرمد محيط بالامتداد والاستمرار ، والزمان والزمانيّات. فالأمور التدريجيّة لا تعاقب لها بالنسبة إليه أصلا ، بل إنّما تحضر عنده دفعة ، غير متخلّف آخرها عن أوّلها ، لا في الحضور عنده. [١٤٠ ظ].
وبالجملة ، إنّ علّة الزمان والأكوان الزمانيّة لا تكون تحت الكون والزمان ، بل يكون كونا بنوع آخر أعلى وأرفع ، محيطا بالزمان مع ما فيه من سلسلة الزمانيّات ، بل بجميع الأشياء ، من أوّلها إلى آخرها ، ضربا ما من الإحاطة أعلى وأشدّ من الّتي لمحيط الدائرة بالنسبة إلى سطحها أو مركزها أشديّة غير متناهية المرّات. فتلك