ليست تدافع الأزليّة الدّهريّة ، على ما تلونا عليك في ما سلف ، لكنّا قد برهنّا على الحدوث الدّهريّ في جانب الوجود من مسالك حكميّة قويمة.
إيماض
(٣٣ ـ المسبوق بالمادّة مسبوق بالمدّة أيضا)
إنّ المسبوق بالمادّة في الوجود يجب أنّ يكون مسبوقا بالمدّة أيضا في الأعيان [٢٢ ظ]. أليس قد كان عدمه قبل وجوده قبليّة يتخلّف بحسبها البعد عن القبل في الوجود ، ويصحّ تصوّر وقوعهما في حدّين يمرّ بها امتداد. فالقبليّة والبعديّة على هذه السّنّة وإن كانتا عقليّتين ، لكنّهما بحسب وقوع الأشياء في الأعيان. فليس لهما بدّ من معروض بالذّات متحقّق في الأعيان بتّة.
وليس الجاعل والمجعول بما هما ذاتان وبما هما جاعل ومجعول ، فهما ليسا من تلك الحيثيّة بالاقتران في الوجود وبقاء الأوّل بعد الأخير ، حتى يكون بالإضافة إليه تارة قبل ، وتارة مع ، وتارة بعد ، ولا المعدوم والموجود بما لهما العدم والوجود. فالعدم والوجود بما هما عدم ووجود ، ليسا يأبيان الانعكاس بالقبليّة والبعديّة على التعاقب أو من بدء الأمر.
فإذن ليس المعروض بالذّات إلّا الكميّة المتّصلة على سبيل التّقضّى والتّجدّد بذاتها. فأجزاؤها الممكنة الانفراض متعيّنة القبليّة والبعديّة بهويّاتها ، وكلّ منها قبل وقبليّة وبعد وبعديّة بنفس ذاتها. وما عداها من الأشياء إنّما ينسب إليها ذلك النّحو من القبليّة والبعديّة بالعرض بحسب المقارنة للقبل والبعد بالذّات. فتلك الكميّة المتّصلة هي الّتي نسمّيها الزّمان والمدّة.
وبالجملة ، قاطبة الأمور الّتي هي غير الكم الغير المستقرّ بنفس ذاته حتّى الحركات لا تكون قبلا وبعدا إلّا بحسب الوقوع في جزءين أو حدّين منه. فالحركتان المعيّنتان المتعاقبتان لا يمتنع بالنّظر إلى نفس هويّتهما أن تكونا معا في وقت واحد ، أو أن تنعكسا في التّعاقب باستبدال الوقتتين ؛ بل إنّما ذلك الامتناع بحسب هويّتي زمانيهما ، لا غير.
فإذن ، قد استبان وجود الزّمان الممتدّ قبل الحادث ومعه واتّصاله بالذّات أيضا. إذ مناط القبليّة على تلك الشّاكلة إنّما هو كون القبل والبعد أجزاء هويّة متّصلة على