الأشياء من مبدئها ، كنحو الظلّ من دى الظلّ ، بل هو أرفع من ذلك كلّه. فكم بين الإحاطة الوهميّة الزمانيّة أو الحسيّة المكانيّة وبين الإحاطة النوريّة العقليّة السّرمديّة.
فإذن ، الأوّل تعالى كما لا يقرب منه [١٤٠ ب] مكان بالنسبة إلى مكان ، بل إنّ الأمكنة والمكانيّات متساوية الإقدام جميعا بالنسبة إليه ، فكذلك لا يقرب منه زمان بالنسبة إلى الزمان. فليس هناك ماض أو مستقبل أو حال ، بل هو محيط بالكلّ دفعة واحدة. ومن ذلك يعلم الأمر في المراتب العالية على الزمان من الجواهر المفارقة.
[١٩] زيادة هداية
فالامتداد الزمانىّ المتصل الذي هو سنخ التغيّر وعنصر التقضّى والتجدّد وفلك المتغيّرات ، وعرش الزمانيّات يحضر بما يحتفّ هو به ، من الحوادث الكونيّة عند مبدع الكلّ أزلا وأبدا. أليس حضور الشيء [١٤١ ظ] عنده هو بعينه علمه بذلك الشيء ، وعقله للأشياء هو فيضانها عنه معقولة؟ فإذن هو يعلم جملة الزمانيّات كلّا منها في وقته علما غير زمانىّ ، ويشاهد ما بينهما من الأزمنة ، فلا يفوته شيء. ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، وهو بكلّ شيء محيط : فهذا ما حققه الحكماء مشّاءوهم ورواقيّوهم.
قال المعلّم الأوّل أرسطوطاليس في كتاب («أثولوجيا» ، ص ...) : «إنّ كلّ علم كائن في العالم الأعلى الواقع تحت الدهر لا يكون بزمان ، لأنّ الأشياء التي في ذلك [١٤١ ب] العالم كوّنت بغير زمان».
وزاده الشيخ الرئيس بيانا في كتاب («التعليقات» ، ص ٥٩) فقال : «لو كانت الصّور العقليّة فائضة عن الأوّل ، لا معا ولا دفعة واحدة بلا زمان ، بل شيئا بعد شيء ، لم تكن معقولة بالحقيقة ، بل كانت مادّية ، إذ كانت تكون بعد ما لم تكن ، ولو كان هو لا يدركها بالفعل معا ، بل شيئا بعد شيء لكان فيه أيضا قوّة تقبل الأشياء بعد ما لم تقبلها وكان مادّيّا».
[٢٠] تشبيه وتمثيل
ألست إذا أخذت خيطا تختلف أجزاؤه لونا ، فأمررته في محاذاة ما تضيق حدقته عن