الإحاطة بتلك الجملة دفعة ، كذرّة أو غيرها ، [١٤٢ ظ] ، وجدت ما هي متساوية الحضور لديك لقوّة إحاطتك ، متعاقبة في الحضور لديها ، لضيق حدقتها؟ فاعتبر الأمر في الامتداد الزمانىّ بما فيه من الحوادث المرتبطة بالأزمنة أو الآنات المنتزعة عنه ، واختلاف حضورها بالقياس إلى الزمانيّات وإلى ما هو خارج عنها تعاقبا ومعيّة.
قال في («أثولوجيا» ، ص ...) : البصر إذا رأى شجرة رآها من أصلها إلى فرعها دفعة واحدة ، يعلم أصلها قبل أن يعلم فرعها بنوع ترتيب وشرح ، لا بنوع زمان ، لأنّ البصر إنّما رأى أصل الشجرة وفرعها وما بينهما دفعة واحدة. فالبصر يعرف [١٤٢ ب] أوّل الشجرة وآخرها بالترتيب ، لا بالزمان ، على ما قلنا. فإن كان البصر يعلم ذلك ، فبالحريّ أن يكون العقل يعلم أوّل الشيء وآخره بالترتيب لا بالزمان ، والشيء الذي يعلم أوّله وآخره بالترتيب لا بالزمان يعرف كلّه دفعة واحدة معا». وذكر فيه أيضا (ص ٦٩) : «إنّ الإنسان الحسّىّ إنّما هو صنم للإنسان العقلىّ وظلّ له. والإنسان العقلىّ روحانىّ وجميع أعضائه روحانيّة ، ليس موضع العين غير موضع اليد ، ولا مواضع الأعضاء كلّها مختلفة. لكنّها كلّها في موضع واحد».
فهذه أمور شبّه بها المرام تارة ، وتضرب بها له الأمثال [١٤٣ ظ] أخرى. فانتقل من ذلك إلى اعتبار الأمر في العالم العقلىّ وتفطّن أنّ الأزل عند المبدأ الأوّل لا يقع حيث لا يقع الأبد ، بل هما وموقعاهما هناك واحد ، ومع ذلك فإنّه يشاهد ما بينهما من الامتداد. ونعم القول فيه ما في إلهيّات («الشفاء» : ص ...) «إنّ هذا من العجائب التي يجوح تصوّرها إلى لطف قريحة».
[٢١] كشف وشرح
كأنّه استبان بما ذكر أنّ الحكماء إنّما ينفون عن المبدأ الأوّل تعالى نحو العلم ، أعنى العلم الزمانى ، لا شيئا من المعلومات. كما أنّهم في تحقيق علمه تعالى بالجزئيّات إنّما ينفون عنه نحو العلم الإحساسى [١٤٣ ب] أو التخيّلىّ ، لا انكشاف شيء من الجزئيّات.
فقد حقق القول فيه خاتم الحكماء نصير الدين الطوسىّ ، حيث قال في «أجوبة الأسئلة القونويّة» كاشفا عن مقالتهم : «أمّا نفى تأثير الحقّ في الموجودات ونفى تعلّقه بالجزئيات. فممّا أحال عليهم من لم يفهم كلامهم. وكيف ينفون تأثيره في