الموجودات بعد أنّ جعلوه مبدأ الكلّ. وكيف ينفون تعلّقه بالجزئيّات ، وهي صادرة عنه ، وهو عاقل لذاته عندهم. ومذهبهم أنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول ، بل لمّا نفوا عنه الكون في المكان جعلوا نسبة جميع الأماكن إليه نسبة واحدة متساوية. ولمّا نفوا عنه الكون في الزمان جعلوا نسبة جميع الأزمنة ماضيها ومستقبلها وحالها إليه واحدة. [١٤٤ ظ] فقالوا : كما أنّ العالم بالأمكنة إذا لم يكن مكانيّا يكون عالما بأنّ زيدا في أيّ جهة من جهات عمرو ، وكيف يكون الإشارة إليه وكم بينهما من المسافة. وكذلك في جميع ذرّات العالم ولا تجعل نسبة شيء منها إلى نفسه ، لكونه غير مكانىّ. كذلك العالم بالأزمنة إذا لم يكن زمانيّا يكون عالما بأنّ زيدا في أيّ زمان يولد ، وعمروا في أيّ زمان وكم يكون بينهما من المدّة. وكذلك في جميع الحوادث المرتبطة بالأزمنة. ولا تجعل نسبة شيء منها إلى زمان يكون حاضرا له ، فلا يقول : هذا مضى وهذا ما حصل ، [١٤٤ ب] بعد ، وهذا موجود الآن ، بل يكون جميع ما في الأزمنة حاضرا عنده متساوى النسبة إليه ، مع علمه بنسب البعض إلى البعض وتقدّم البعض على البعض.
وإذا تقرّر هذا عندهم وحكموا به ولم يسمع هذا الحكم أوهام المتوغّلين في المكان والزمان ، حكم بعضهم بكونه مكانيّا ، ويشيرون إلى مكان يختصّ به ، وبعضهم بكونه زمانيّا. ويقولون : إنّ هذا فاته وإنّ ذلك ما يحصل له بعد ، وينسبون من ينفى ذلك عنه إلى القول بنفى العلم بالجزئيّات الزمانيّة وليس كذلك».
[٢٢] تقرير وبسط
قال أرسطوطاليس في («أثولوجيا» ، ص ٦٨) : «إنّ كلّ [١٤٥ ظ] فعل فعله البارى الأوّل عزوجل ، فهو تامّ كامل ، لأنّه علّة ثابتة ليس من ورائها علّة أخرى. ولا ينبغى لمتوهّم أن يتوهّم فعلا من أفاعيله ناقصا ، لأنّ ذلك لا يليق بالفواعل الثوانى ، أعنى العقول ، فبالحريّ أن لا يليق بالفاعل الأوّل. بل ينبغى أن يتوهّم المتوهّم أنّ أفعال الفاعل الأوّل هي قائمة عنده ، وليس شيء عنده أخيرا ، بل الشيء الذي عنده أوّلا ، هو هاهنا أخيرا وإنّما يكون الشيء أخيرا لأنّه زمانىّ ، والشيء الزمانىّ لا يكون إلّا في الزمان الذي وافق أن يكون فيه. فأمّا في الفاعل الأوّل فقد كان لأنّه ليس هناك