تفصيل قضائه الأوّل تأدّيا واجبا ؛ إذ كان ما لا يجب لا يكون ، كما علمت».
وبيّنه خاتم الحكماء في شرحه (ص ٣١٦) ، بقوله : «فالصّواب أن يؤخذ بيان هذا المطلوب من مأخذ آخر. وهو أن يقال : العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول ، ولا يوجب الإحساس به ، وإدراك [١٥٦ ب] الجزئيّات المتغيّرة من حيث هي متغيّرة لا يمكن إلّا بالآلات الجسمانيّة ، كالحواسّ وما يجرى مجراها. والمدرك بذلك الإدراك يكون موضوعا للتغيّر لا محالة. أمّا إدراكها على الوجه الكلّىّ فلا يمكن إلّا بالعقل. والمدرك بهذا الإدراك يمكن أنّ لا يكون موضوعا للتغيّر. فإذن ، الواجب الأوّل وكلّ ما لا يكون موضوعا للتغيّر ، بل كلّ ما هو عاقل ، يمتنع أن يدركها من جهة ما هو عاقل على الوجه الأوّل ، ويجب أن يدركها على الوجه الثاني».
[٢٣] مخلص وحكومة
أو قد بان لك أنّ الحكماء إنّما اشمأزّت قلوبهم [١٥٧ ظ] من تسويغ القول بأنّ للبارى تعالى علما متكثّرا وإدراكا متغيّرا ، حسّيا او تخيّليّا ، كما هو شأن الإدراك والعلوم الزمانيّة؟ ولم ينف أحد من محصّليهم علمه تعالى بالشخصيّات أو بشيء من التشخصّات والعوارض الشخصيّة لها أو الأزمنة والأوقات أصلا ، بل برهنوا على أنّ جملة الموجودات ، كليّاتها وجزئيّاتها ، سرمديّاتها ودهريّاتها وزمانيّاتها ، معلومة له معا دائما ، علما بسيطا مقدّسا عقليّا غير زمانىّ. فما هو محسوس لنا وقتا معيّنا ، فهو بعينه معقول له دائما ، لا دواما زمانيّا ، بل أرفع من ذلك. فكما أنّ وجوده [١٥٨ ظ] ضرب آخر من الوجود لا يقاس بغيره ، فكذلك علمه لا يقاس.
قال الشيخ أبو على في («التعليقات» ، ص ١١٩) : «الأوّل نعرفه معرفة كليّة بعللها وأسبابها ، لا معرفة شخصيّة متغيّرة ، بل كليّة ، إذ لم نستفد المعرفة به من جهة شخصيّته ومن وجوده وقت تشخّصه ووجوده ، فإنّه يكون حينئذ مدركا من حيث هو محسوس أو متخيّل ، لا معقول». وقال : (ص ١٢١) «الأشياء الفاسدة تدرك من وجهين ، إمّا أن تدرك بشخصيّتها وجزئيّتها. وذلك إمّا بالحسّ أو التخيّل ، وإمّا أن تدرك كذلك بأسبابها وعللها ، والعلم بها من الوجه الأوّل يتغيّر بتغيّرها [١٥٨ ظ]. وبالوجه الثاني لا يتغيّر ، لأنّ ذلك السبب كلّىّ لا يتغيّر».